الوجه الآخر للأزمة ..!
> لم تكن هفوة ولا زلة لسان من السيدة (كريتسين لاغارد) المدير العام لصندوق النقد الدولي، وهي تعلق على موضوع اللاجئين السوريين إلى أوروبا والأزمة الراهنة بسببهم، قبل أيام في كلمة لها أمام اجتماعات الصندوق والبنك الدولي في ليما بالبيرو، حين أشارت أن تدفق اللاجئين نحو أوروبا سيسهم في معالجة مشكلة العمالة المتناقصة في أوروبا التي تعاني من ازدياد معدلات الشيخوخة وارتفاع نسبة كبار السن بالنسبة للسكان، مما يهدد أوروبا أو القارة العجوز في المستقبل ..!
> وكون الحديث يصدر من سيدة فرنسية وتعتلي أعلى سدة مؤسسة اقتصادية ومالية في العالم، ووزيرة سابقة في بلدها، فذلك يعني الكثير. فقد وصل معدل النمو في بلدان مثل ألمانيا وفرنسا وسويسرا وإنجلترا وآيرلندا وهولندا وإسبانيا والبرتغال والنمسا ودول شرق أوروبا والدول الإسكندنافية أقل من (0,07 % ) حسب تقرير للأمم المتحدة صادر في العام 2013م. وحسب معهد «ماكس بلانك» الشهير في ألمانيا الذي أجرى دراسة في هذا الموضوع، فإن ازدياد الشيخوخة بين سكان أوروبا وانعدام الولادات بالنسبة للنساء سيؤدي إلى نقص متسارع في عدد سكان أوروبا المتوقع يصل إلى خمسين مليون شخص فقط في العام 2050، أي بعد «35» سنة. وذهبت كريستين لاغارد إلى ذلك لأنها ترى بعينيها ما سيحدث للاقتصاد الأوروبي في كل بلدانه نتيجة تزايد الشيخوخة، حيث لا يحل جيل محل جيل بطريقة طبيعية ومكافئة، إضافة إلى البطالة وخلو سوق العمل من العمال والفنيين والحرفيين والموظفين، مع ملاحظة أن النساء المهاجرات من إفريقيا وآسيا والوطن العربي وأمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي، أكثر ولادة من النساء الأوروبيات ويتفوقن عليهن بنسبة تصل أكثر من(2%)، مقابل ذلك فإن عدم الرغبة في الإنجاب لدى الشباب الأوروبي حتى خارج مؤسسة الزوجية وتعثر الحكومات في تطبيق السياسات التشجيعية لزيادة الولادة وتكوين الأسرة، فاقم من المخاوف الأوروبية.
> هذا الخطر الماحق والقلق الذي تعيشه أوروبا يغطيه غبار كثيف الآن حتى لا تتكشف النوايا الحقيقية، فالضجة حول محاربة الهجرة غير الشرعية بكل الوسائل ومكافحة الاتجار بالبشر، هي ورق توت لستر الحاجة الأوروبية لمهاجرين جدد.
> وهنا لابد من الإشارة إلى حديث عميق ظل يُقال في زوايا غير مرئية لغالب الناس في العالم، إن الدول الكبرى تشجع الحروبات والكوارث في إفريقيا والعالم العربي التي ينتج عنها لجوء ونزوح كبير لتنفيذ عدة أغراض منها تجريب الأدوية واللقاحات في معسكرات اللاجئين والنازحين، واستقطاب العقول البشرية الجيدة، وأخيراً جعل اللاجئين المراد تمريرهم يعبرون لإحداث التوازن الديمغرافي وسد النقص في أسواق العمل وتوفير الأيدي العاملة.
> والاقتصاد الرأسمالي ينتج بصورة مستمرة أغراضه وحلوله ونواياه، ويبتكر علاجاته لأمراضه المستعصية، لكن يغلف ذلك بغلالة رقيقة ومسحة تبدو إنسانية. وقد كتب المنظرون الغربيون قبل خمسة عشر سنة ما أسموه (أنسنة الرأسمالية)، وهذا هو وجهها الذي أزاحت عنه النقاب السيدة كريستين.
محنة الصحافة وموتها..!!
> الصحافة الورقية في العالم كله، تعاني كما نعاني من تراجع نسب التوزيع وتناقص القراء، وليس هناك منطقة مستثنية من هذا الواقع المؤلم. فصحيفة أمريكية كـ(نيويورك تايمز) تراجعت في توزيعها بنسبة 40% والصحافة البريطانية وفي بلدان أوروبية بنسب متقاربة، وكذلك المنطقة العربية وآسيا وإفريقيا وكل مكان، في كل هذه البلدان تجد ما يقنع أن التطور الهائل في مجال الاتصال والإنترنت والهواتف الذكية، جعل الأخبار والمعلومات والبيانات على مدار الثانية وفي متناول اليد والبصر، ومع تعدد وتنوع وسائطه وأدواته، لكن في بلدنا هنا الأسباب تختلف. أهمها هو ارتفاع كلفة صناعة الصحافة بارتافع أسعار الورق والأحبار، وكل مدخلات الطباعة وضعف أقنية وأوعية التوزيع، وعدم وجود سياسة تشجيعية من الدولة تساعد الصحافة على العيش مثل الإعفاءات الجمركية والضريبية وتحديد سعر جمركي للدولار لاستيراد مدخلات الطباعة ومعالجة معضلة الضرائب التي أرهقت الصحف، فبالإضافة للأسباب العالمية التي خيمت على الصحافة في كل الدنيا، فمشكلتنا هنا أعمق وأكبر وتحتاج إلى تدخل فاعل وسريع من الدولة. فالصحافة السودانية بكل تاريخها الطويل ودورها الوطني في الرمق الأخير وهي تلفظ أنفاسها..أدركوها قبل فوات الأوان ..!
القدس عروس عروبتكم..!
> لو أن الشاعر العراقي المتمرد الغاضب على كل شيء ومن كل شيء (مظفر النواب)، تصور حين كتب قصيدته الحارقة كيف خذلان العالم العربي للقدس والشعب الفلسطيني الأعزل الذي يواجه مصاصي الدماء من العدو الصهيوني ومحاولات تهويد القدس وطمس هويتها، لأبرز هذا الخذلان بما هو أبشع وأخزى وأفظع وأكثر بؤساً كما تفعل الأنظمة الرسمية العربية التي تركت اليهود يذبحون النساء والأطفال والشيوخ، ولا يطرف جفن عربي واحد لهذه الدماء الفلسطينية الذكية التي تُراق كل يوم، وانتفاضة السكاكين تطعن في مروءة ورجولة كل عربي، يجلس في غرفته الهانئة يتابع القنوات الفضائية وهي تنقل ما يجري في القدس والضفة الغربية وغزة، ثم لا يلوي وهو يتحول إلى قناة موسيقى ورقص، مسلسلات، كأن ما يجري في أرض فلسطين يجري في كوكب آخر ولا يعنيه من أمرها شيئاً!..