منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، اجتاح منطقة الخليج فيروس الثراء السريع، وتحول ملايين المواطنين الخليجيين إلى خبراء في مجال البورصات وأسواق الأسهم، وخلال فترة قصيرة نجح كثيرون في كسب مئات الآلاف، فصارت الآمال كبارا: من سيربح الملايين من دون حاجة إلى جورج قرداحي، وجاءت الملايين فعلا إلى معظمهم، فتمكن الفيروس من المتبورصين، وجعلهم ينسون أن أرباح الأسهم تقود إلى السهو، وتحولت الملايين إلى ملاليم.
وأذكر كيف تعرضت شوارع دولة قطر للسعودة قبل حين من الزمان، فقد امتلأت بالسيارات ذات اللوحات السعودية، والشماغات الحمراء، وكان ذلك بعد تدفق آلاف السعوديين للاكتتاب في بنك الريان القطري، وفاضت الفنادق والشقق المفروشة بالبشر، فاضطر كثيرون إلى قضاء الليل داخل سياراتهم أو في الميادين العامة والمساجد.
الكل يريد أن يصبح مليونيراً في أسرع وقت لأنّ هناك اعتقادا بأن شراء أسهم الشركات هو طريق الربح السريع والمضمون، وكأن تلك الشركات جمعيات خيرية هدفها توزيع الأرباح على الناس لوجه الله، ولا تستطيع أن تقنع من أصيبوا بفيروس الأسهم بأنها قد تكون أحياناً طريق الخسارة السريعة والمدمرة، وأن من يربحون فيها هم ذوو الأسهم الكثيرة المتنوعة والنفس الطويل. أما أنت أيها الموظف التعبان الذي يقترض من البنك ويبيع مجوهرات زوجته لشراء أسهم على «قد حاله» فإنك تعرض نفسك للانهيار العصبي وارتفاع ضغط الدم والإمساك (الناجم عن التوقف عن الأكل بسبب فقدان الشهية بسبب فقدان رأس المال بسبب سوء أداء أسهمك القليلة!!)
تعالوا نقرأ بعض حكايات الأسهم من أرشيفي الخاص: في مدينة ما في دولة ما خليجية كان قد تقرر عقد قران شاب على فتاة خلال العطلة الصيفية، وفي الموعد المحدد كان الشاب قد أعد البشت ولوازم الزواج الأخرى، ولكنه فوجئ بوالد الفتاة يماطل ويسوِّف ويطلب تأجيل الزواج إلى أجل غير محدد، ثم اكتشف السبب: بزواج البنت تخرج من (كرت العائلة) ولن يستطيع أن يستفيد من اسمها وبطاقتها في شراء الأسهم في شركات عديدة سمع أن أسهمها ستطرح للتداول خلال «الأشهر المقبلة».
أما الحكاية التي أتمنى أن تكون عظة لكل الحالمين بالثراء الاكتتابي المفاجئ، فهي حكاية (ماجد) الذي اختارت له والدته عروساً مناسبة، وفرح بحسن اختيار أمه لشريكة الحياة، وقابل والد الفتاة الذي طالبه بتعجيل مراسيم الزواج وبخمسين ألفا مهراً وفوقها خمسة آلاف كسوة والدة العروس، ولم يكن ماجد يملك سوى عشرة آلاف، فنصحه صديق بشراء سيارة بالتقسيط وبيعها نقداً. وقد كان.. اشترى السيارة بـ85 ألفا على أن يسدد قيمتها خلال أربع سنوات وباعها بـ60 ألفا، فتوفر له بذلك المبلغ المطلوب للزواج (وتلك حيلة يلجأ إليها الكثيرون لتوفير المال السائل، وهي كمثل أن تشتري حسرة طويلة الأجل مقابل نشوة مؤقتة).
اتفق ماجد مع والد العروس على موعد عقد القران والزفاف، ولكن صديقه قال له: أمامك ثلاثة أسابيع قبل موعد الزواج، ولو استثمرت الستين ألفا في الأسهم أسبوعين ستربح مالاً يعوضك الفرق بين سعر شراء السيارة وبيعها، ويوفر لك بعض نفقات الزواج غير المنظورة، وسال لعاب ماجد لفكرة جني أرباح تزيد على 20 ألفا، ووضع ميزانية الزواج بكاملها في سوق الأسهم، وبنهاية الأسبوعين وحلول موعد الزواج كان قد خسر 33 ألفا من عملة بلاده، مما يعني أنه تبقى لديه 27 ألفا، والمطلوب لإكمال الزواج كان 55000؛ فكان لا بدَّ من الأعذار العرجاء: الوالدة صحتها «مو طيبة» ودخلت المستشفى (طبعاً الذي صحته غير طيبة ويحتاج إلى علاج طبي هو ماجد).
ولم يتم الزواج، ولا أدري ما هو حال كابتن ماجد حاليًّا.
jafabbas19@gmail.com