كانت أجواء الحوار مع الشيخ المثير للجدل صاحب التصريحات الناري (دفع الله حب الرسول) عاصفة ومشحونة بالتوتر، فطيلة زمن المقابلة التي استمرت لأكثر من ساعة، وجه خلالها الرجل انتقادات حادة لظواهر اجتماعية عديدة، وشن هجوماً عنيفاً على وسائل الإعلام، اتهمها بخلق الإثارة والتشويق على حساب المصداقية ودقة النقل وتحريف الكلام.
توجهك حركة إسلامية، متى انتميت للاتجاه الإسلامي؟
أنا اتجاه إسلامي، انتميت لتنظيم الأخوان المسلمين منذ العام 1960م وكان عمري وقتها تقريباً 17 سنة، وقد لا تصدق أن من جندني وكان له الفضل في دخولي الحركة هو وزير رئاسة مجلس الوزراء الحالي (أحمد سعد عمر).
الرجل اتحادي ديمقراطي فكيف استقطبك للتنظيم الإسلامي؟
لا لا وقتها كان الأمير أحمد سعد عمر (أخ مسلم)، بل وكان رئيس الحركة في المدرسة الأهلية.
متى التحقت بالجامعة؟
دخلت جامعة أم درمان الإسلامية في أوآخر العام 1968م وبداية العام 1969 أي قبل انقلاب الرئيس جعفر نميري بقليل ومنذ دخولي الجامعة أصبحت عضواً في اتحاد الطلاب، وبعد وقوع انقلاب مايو الذي قاده الشيوعيين بشهر، تم حل الجامعة باعتباره مؤسسة رجعية، نحن اعترضنا على قرارات الحكومة، وكتبنا مذكرة احتجاجية أعلنا فيها رفضنا لهذه السياسات، فاعتقلونا وحكم علينا بالسجن وتنقلنا في سجون مدني والخرطوم.
من تذكر من أبناء جيلك في تلك المرحلة؟
أذكر منهم على سبيل المثال أحمد محمد علي الفاششوية وعبد الله الشيخ سيد أحمد، وخالد غريب وآدم حسن الطاهر، ومن الغريب انه بعد اطلاق سراحنا من المعتقلات، وجدنا أننا تخرجنا حسب سجلات الكليات، وتم الاعلان عن فرص التوظيف بعد التخرج، غير أني لم اوفق في كافة المعاينات.
كنت مستهدفاً من قبل الشيوعيين (السجمانين ديل) رفضوا اختياري للعمل كموظف لأني خريج لغة عربية كلية الآداب من جامعة ام درمان الاسلامية، (أنا عارفهم ما بيختاروني) لذلك كل المعاينات التي دخلتها لم يتم فيها تعييني،ورفضت من قبل اللجان التي تقدمت لها في التوظيف في الخدمة المدنية.
خياراتك بعد رفضك إلى أين اتجهت هل دخلت السوق؟
اتصل على الأخ الراحل إبراهيم الدسوقي وكان يعمل من قبل في مطابع العملة، ووقتها كان مديراً لمطبعة جامعة الخرطوم فطلب مني العمل في وظيفة مصحح بالمطبعة لكن كانت هناك مؤامرات ومكائد من قبل الموظفين، أغلبهم شيوعيين، حفروا لي حتى أخرجوني من العمل بالمطبعة بعد أن اشتغلت شهراً واحداً بس.
أكيد راسك ضرب وراح ليك الدرب؟
أبداً ربنا كريم ورحيم بي خلقو انت وبتشوفوا انو الدرب راح لي، لكن قناعاتي ان ربان عوضني خيراً، إذ فتحت السفارة النيجيرية بالخرطوم فرصاً لسودانيين بالعمل بدولة نيجيريا ونشر إعلان الوظائف وميقات المعاينات فتوفقت في اجتياز المعانية وسافرت إلى نيجريا للعمل في الولايات الشمالية.
متى كان ذلك؟
في 3 يونيو 1973م وبالمناسبة غالب من تم اختيارهم سواء من درسوا لغة عربية أو جغرافيا أو تاريخ أو هندسة، كانوا يدرسون مادة تربية إسلامية للطلاب بمدارس نيجريا، وبعدها بفترة نقلت لكلية أخرى وفي المحاضرة الأولى هناك حدث موقف غريب أحدت تحولاً كبيراً في حياتي فيما بعد.
ما هو هذا الموقف؟
دخلت لإلقاء أول محاضرة في الكلية وقبل محاضرتي في مادة التربية الإسلامية فترة الرياضة البدنية وكانت مختلطة بنات وأولاد، بعد نهاية التربية البدنية جاءتني الطالبات وحاولن الدخول للمحاضرة بالزي الرياضي فمنعتهن من الدخول وأصررت على عدم دخولهن للقاعة لحضور المحاضرة.
قرارك هذا هل هو نابع من رؤية شرعية أم اتخذته حسب مزاجك؟
ياخي مزاج شنو وانت مالك مستعجل، دعني اكمل لك القصة لتعرف سلامة قراري ثم أحكم بعدها؟
مدير المدرسة مسيحي وسمع بالقرار فجمع المدير الإدارة كافة ، وعقد اجتماعاً ناقش فيه قراري، وصعدوا القضية لشكوى رسمية للوزارة، لكن المفاجأة أن الوزير في خطابه لمدير المدرسة قال: بالحرف الواحد (قرار شيخ دفع الله صحيح)، وبعد هذه الواقعة هل تصدق أن البنات لبسن الزي الشرعي في الكلية بسبب هذه الحادثة، لكن الأغرب منه في مغرب ذات اليوم طرق طارق الباب ففتحت الباب فوجدت الطالب المسئول عن الطلاب المسيحيين في الولايات الشمالية وأذكر اسمه ايميلكا من قبيلة الايقو قال لي وبلهجة حاسمة يا شيخ دفع الله أنا أريد ان ادخل في الإسلام الآن ولا أريد نقاشاً، وبلهجة حاسمة قرر أن يمتحن مادة التربية الإسلامية في الشهادة الجامعية وسبحان الله امتحن التربية الإسلامية وحقق فيها نجاحاً كبيراً.
وجودك في الكلية كان بغرض تصدير الحركة الاتجاه الإسلامي؟
اتجاه إسلامي شنو ياخي دا عمل دعوي، شباب يدخلوا الإسلام بعد ما كانوا مسيحيين تابعين للكنيسة، فتحولوا ولله الحمد لاعتناق الدين الإسلامي (دا القصد المهم).
انتهت فترة انتدابك لنيجريا ورجعت السودان بعد ذلك؟
ابداً بعد 4 سنوات نقلت الى (بورنو كلودج اوف بيسك استديز)، ثم خطف مني القلم والورق وقال لي: (انتم شباب الزمن دا ما بتعرفوا انجليزي كتبها لي باللغة الانجليزية، ثم واصل قائلاً لي: (في اول يوم من وصولي لمقر الكلية، كان الطلاب يستعدون لاجراء انتخابات الاتحاد، فقرأت المنشورات والقوائم والبرامج الانتخابية وحزن أشد الحزن وتأسفت كثيراً لأنني وجدت أن رئاسة الاتحاد تقدم لها 4 طلاب مسيحيين ، ولم يترشح أي طالب مسلم.
وما مصدر الحزن والأسف هنا؟
غضب شيخ دفع الله ورد بانفعال: يا أخي أكثر من 90% في بورنو مسلمين، وهم يشكلون أغلبية كاسحة، والمسيحيون أقلية، فكيف تكون القوائم كلها من الطلبة المسيحيين؟ وكيف لا يتقدم الطلاب الإسلاميون للترشح للانتخابات؟ للحقيقة هذا الموقف استفزني للغاية ودعوت الطلاب لاجتماع طارئ وعاجل.
هذه نفس سياسات الاتجاه الإسلامي في الجامعات، هل كنت تريد نقل العمل التنظيمي من السودان للجامعات النيجيرية؟
والله انت كلامك غريب جداً أقول المسألة مسألة تحد ووجود إسلامي تقول لي عمل تنظيمي؟ عقدت الاجتماع وتحدثت اليهم وقلت لهم من أراد أن يكون رئيساً لنيجريا لابد أن يكون رئيساً للاتحاد أولاً، وانتم تشكلون اكثر من 90% لكن مع ذلك لم يترشح منكم احد ففهموا رسالتي وقاموا بأعداد قائمة من الطلاب المسلمين لمنافسة القوائم الأخرى من الطلاب المسيحيين على انتخابات الاتحاد، وخاضوا المعركة (فهل تصدق القائمة فازت واكتسحوا الانتخابات بفارق كبير من الأصوات).
بعد قيام الإنقاذ أين وجدت نفسك؟
وجدت نفسي مجاهداً ومنافحاً عن الإسلام كنا أول دفعة تلتحق بمعسكرات التدريب في القطينة (التحدي 1) ذهبت بـ(دقني دي) وكان هذا الأمر ممنوعاً في القوات المسلحة، وبمجرد ما بدأنا التدريب ناداني الضابط في مكتبه وقال لي بالحرف الواحد، يا مجند أحلق لحيتك وبي صراحة رفضت حلق دقني، وحدثت مشادة كلامية بيني وبينه انتهت بخروجي من المعسكر، وحملت شنطتي ورجعت الخرطوم.
قابل الشيخ أحمد محجوب حاج نور – رحمه الله – وقصصت عليه ما حدث وحدثته عن رؤيا منامية رأيتها، فنصحني بالرجوع للمعسكر، ثم اتصل بالمسئولين ثم جاءنا الشهيد الزبير محمد صالح في المعسكر وبلغته البسيطة خاطب المجتمعين كلهم، ووجه الضباط وقال لهم (أخوانكم المجاهدين ديل أعفوهم من حلق اللحى) وكان ذلك بمثابة تعليمات للضباط، ومن يومها أصبحت اللحية عادية داخل القوات المسلحة والشرطة والأمن.
صحيفة حكايات