قاضٍ وشاكٍ .. وستة متهمين

قاعة محكمة الصحافة والمطبوعات الصغيرة, والتي يجلس على صدرها في مواجهة الخصوم, مولانا/ حسين موسى محمد- قاضي الدرجة الأولى- لم يكن فيها موطئ قدم لمحامٍ أو متفرجٍ أو شخص لا علاقة له بالقضية المعروضة أمام مولانا /حسين موسى صباح أمس والتي كنت أحد المتهمين الستة فيها حسب دعوى رئيس حزب اتحاد الأمة(أقم)- محمود عبد الجبار- اكتشفت في المحكمة أن اسمه الأصلي هو عبد المحمود- التي اتهم فيها صحيفتين، هما:(السياسي والوطن) ورئيسي تحريرهما (بكري المدني) وكاتب هذه المادة، ومحررين إثنين، هما: (مروان الريح) من (السياسي) و(فتحية أحمد عبد الله) من (الوطن) .. إضافة إلى متهمين آخرين، أحدهما من منسوبي حزب (أقم) وهو (نصر الدين أحمد المهدي)، والثاني ( طه سليمان) وهو أحد مرشحي المجلس التشريعي لولاية النيل الأبيض في دائرة الكوّة، والذي كان من المتحالفين مع حزب عبد الجبار.. وقد حدث بعد الائتلاف اختلاف، وبعد القرب بُعد.. وبعد الود صد, والتقط الصحافيون خيوط الخلاف الذي طاروا به فرحين يغذون صحفهم بتفاصيله، وهو ما لم يرض الشاكي عبد الجبار، فاتجه للقاضي يتهم الجميع بتشويه صورته، مع نشر معلومات كاذبة وإشانة سمعته وغير ذلك من اتهامات يطول ذكرها.
جلسة الأمس لم تكن الأولى، فقد سبقتها جلسات تأجلت لغياب المتهمين(نصر الدين أحمد المهدي) و(طه سليمان) مع عدم ظهور الضامن الذي كان في رحلة عمل خارج البلاد.
نعم.. لم تكن جلسة الأمس الأولى لكنها كانت الأخيرة، وتم فيها حسم القضية بالتنازل عن الدعوى من قبل الشاكي في مواجهة متهمي صحيفة(السياسي) ومتهمي صحيفة (الوطن)، ولهذا قصة تستحق أن تُروى، كان أبطالها أربعة؛ أولهم مولانا حسين موسى رئيس ديوان المحكمة أمس، وثانيهم الصحفي النشط(عطاف عبد الوهاب) من صحيفة(الصيحة)، والكاتب السياسي (فتحي مادبو) من (السياسي)، و(المسلمي الكباشي) مدير مكتب الجزيرة في السودان.. ولهؤلاء قصة ومبادرة قادوها بالأمس، لما أسماه (عطاف ) بـ(إطفاء نار الفتنة) ودعوة الشاكي إلى شطب البلاغ للعلاقة التي تربط بينه وبين المتهمين وبين عموم أهل الصحافة.
في بداية الجلسة استمع مولانا حسين إلى الشاكي بعد وصول المتهمين الثالث والرابع في قضيتنا، إذ نظر قضية (السياسي) أولا، وبعد ذلك سأله محاميه عدة أسئلة، ليجيء دورنا في استجواب الشاكي، ثم استجوبه المتهمان الثالث والرابع، ولم يكن مع أي منا محام للدفاع، لقناعة شخصية بأن القضية لن يطول النظر فيها.
وبدأ استجواب السيد القاضي مولانا/ حسين موسى للشاكي وكان قد أخذ بياناتنا كمتهمين في بداية الجلسة ووجه لنا التهمة، وبعد أن فرغ من ذلك رأى أن يحدد موعدا جديدا لجلسة تالية، وبدأ يتشاور مع الشاكي ومحاميه ومعنا كمتهمين، واتفقنا على أن تكون الجلسة القادمة يوم الإثنين الثاني من نوفمبر المقبل.. لكن مولانا/ حسين بعد أن سجل ذلك ورفع الجلسة، طلب إلينا ألا نغادر، لأنه يريد أن يتحدث إلينا حول هذه القضية.. وقد كان.
تحدث مولانا/ حسين، حديثا طيبا مشيرا إلى صلات الدم والقربى التي تربط بين الشاكي والمتهمين الثالث والرابع، وعلاقته كرجل سياسة بالصحافة والصحفيين، وقال له: إن المستقبل لن يترك الماضي وراءه، وإن هذه الخصومات- إذا استمر التقاضي في شأن عام- ربما انتقلت إلى الأجيال القادمة وتسببت في عداء مستمر بين الأهل والعشيرة وأبناء المنطقة.
حديث القاضي كان مؤثرا إلى حد بعيد، خاصة عندما سأل الجميع عن آرائهم في الذي قال.. وطلب الشاكي أن يمنح فرصة للتداول مع محاميه، وتدخل أحد أعضاء حزبه طالبا أن تمنح الفرصة لتداول المكتب القيادي للحزب حول هذا المقترح ليتم العمل .
طلبت من مولانا فرصة للحديث، فتكرم مشكورا بذلك، وقلت: إن هذه الدعوى ليست حزبية، بل شخصية، وإن قبل الشاكي فليس هناك ما يلزم لمشاورة الآخرين .. هذه واحدة، أما الثانية فهي أن السياسيين الكبار عادة لا يلجؤون إلى المحاكم يشكون الصحافة أو غير الصحافة، لأنهم يعرفون أنهم شخصيات عامة، والصحافة تمارس عملها والصحفيون يؤدون واجبهم، وإن أبواب الصحف مفتوحة للرأي والرأي الآخر.
وسألت الشاكي وكل الموجودين داخل قاعة المحكمة؛ إن سمعوا يوما أن الزعيم إسماعيل الأزهري تقدم بشكوي ضد صحيفة أو صحفي أو ضد خصم؟.. وإن سمعوا بأن أي سياسي فعل ذلك منذ عهود الحكم الوطني الأولى حتي يومنا هذا؟.. جميعهم أكدوا على أن ذلك لم يحدث. هنا أعلن الشاكي شطب الدعوى في مواجهة ( السياسي) وبقية المتهمين.. وكان الدور على صحيفة ( الوطن) التي كان رئيس تحريرها زميلنا الأستاذ (بكري المدني) ينتظر مثوله أمام المحكمة بذات التهم، هو وابنتنا المحررة(فتحية أحمد عبد الله)، فجرى عليه ما جرى علينا.. وخرجنا جميعنا من قاعة المحكمة منتصرين .. قاضٍ وشاكٍ.. والمتهمون الستة ..و.. (يحيا العدل).

Exit mobile version