* وصحف الخرطوم التي تحدثنا أمس عن مشاركة سكان حلايب السودانيين في الانتخابات المصرية (وحدها من كانت ترفع حاجب الدهشة)؛ وحتى “المدقق اللغوي” سحب (علامات التعجب) التي جاءت عقب نهاية العناوين بعد أن حدق فيها باستعجاب فليس في الواقع أمامه جديد يدعو للاستغراب !
* قبل حوالي عام ونصف وتحديداً في يوم الرابع من يونيو من العام الماضي كتبنا عبر هذه المساحة عن المسيرة التي سيرتها ما تسمي بهيئة نصرة الشعوب منددة بفوز المشير عبد الفاتح السيسي بكرسي الرئاسة في مصر؛ ومعلنة تضامنها مع الرئيس المعزول د. محمد مرسي في ظل إهمالنا لما يحدث بحلايب التي بدأ الواقع يتغير فيها تماماً.
* كتبنا عن (مسيرة رفض) لا قيمة سياسية أو دبلوماسية أو إستراتيجية لها.. مضارها لا تُحصى وفوائدها معدومة؛ فهي لا تمثل ثقلاً يذكر، ولا تشكل (كرت ضغط) يمكن استخدامه، ولا تصلح كرسالة في الفضاء السياسي المفتوح.. شعب عزل رئيسه المنتخب بما سماها (ثورة يونيو).. كثيرون يعتقدون أن ما تم يمثل انقلاباً على الشرعية، ولكن العالم اعترف بالثورة الثانية رويداً رويدا رغم ما صاحبها من مجازر.. و(الشعب المصري نفسه صاحب القصية متحمل وصابر)..!
* مشكلتنا الأساسية أننا – على الصعيدين الرسمي والشعبي – اهتممنا بالحواشي وتركنا متن القضية.. شغلنا أنفسنا بمن ينبغي أن يصبح رئيساً لمصر وكيف ظُلِم مرسي، وهذا (شأن مصري داخلي لا يهمنا كثيراً)، بينما كانت (الأشجار تسير)، والمتغيرات تحدث، والعمل السياسي والإعلامي بمصر يضع هدفاً إستراتيجياً أمامه ويمضي نحو تحقيقه بوضوح وجرأة وذكاء، و(حلايب) تضيع من بين أيدينا بسبب تفريطنا فيها، لنخسر أرضا غالية من رقعتنا الجغرافية، ونشغل أنفسنا بالسيسي ومرسي وما حدث في ميدان (رابعة العدوية) وما قاله المحللون في قناة الجزيرة من جهة، وما قاله بالمقابل ضيوف برنامج (ساعة مصرية)..!!
* قد تبدو الحقيقة صادمة ولكن لابد من سماعها والاقتناع بها لمعرفة كيفية التعامل مع ما أفرزته من واقع جديد.. زاد الاهتمام المصري الرسمي والإعلامي والشعبي بـ(إنسان حلايب) في الفترة الماضية بصورة غير طبيعية.. كثير من التسهيلات في أساسيات الحياة وحزمة من المغريات مع عملية (غسل أدمغة) لأناس بسطاء وجدوا أنفسهم يتعاملون مع جانب واحد يسعى لتغيير واقعهم لإثبات اهتمامه بهم وحرصه عليهم.. جيل جديد يتشكل وعيه في حلايب الآن وتتغير قناعاته وإن جاء يوم ليخيروه لما اختار غير الذي يهتم به الآن ويتربى في كنفه ويترعرع في حضنه، فالحريص عليك هو من احتواك، و(أبوك ما الولدك.. أبوك الرباك)..!!
* تلك كانت خلاصة مقالنا الذي قلنا فيه إن هذه المسيرات لو خرجت (نصرةً لحلايب وأهلها)، وطالبت بوقف عملية (المصرنة) التي كانت تتم في العلن لوجدت الملايين خلفها، ولكن أن نهتم بشأن مصري داخلي والبلاد تفقد جزءاً عزيزاً من أراضيها بالسيطرة والترغيب والاحتواء و(وضع الإيد) فذاك ما كان يحتاج لوقفة جادة؛ لذا لا تستغربوا إن شارك السكان السودانيون في حلايب في الانتخابات المصرية وتذكروا أن (الأمر الهيِّن بضيِّع الحق البيِّن).
نفس أخير
* إن كانت الزرقاء قد (رأت شجراً يسير)؛ فإن الأمر الآن (لم يعد بيسير)..!