ورشة ملوثة ..!!

:: اليوم بمحكمة حماية البيئة، ميكانيكي يواجه تهمة تلويث البيئة .. لا تسيئوا الظن بالميكانيكي.. لم يُخصب اليورانيوم بلا وقاية، ولم يستورد حاويات ذات أشعة، ولم يُكدس مخازن البلد بالأسمدة الفاسدة، ولم يتقاعس عن جمع نفايات المدائن والأسواق.. كل ما في الأمر أن للمتهم ورشة لصيانة السيارات بطريق الخرطوم مدني، وعوادم السيارات التي يُصينها تنفث أدخنة تلوث البيئة..فأقتادوه إلى النيابة ثم المحكمة التي لم تفصل في الحُكم بعد..هذه القضية من وقائع المحاكم السودانية، وليست من الطرائف وقصص التراث التي نُمهد بها قضية الزاوية ..!!
:: وبالحصاحيصا، أي على بُعد كيلومترات من ورشة هذا الميكانيكي، حفرة مسماة شعبياً بحفرة الموت .. وهي المخازن التي تدفن فيها المبيدات المنتهية الصلاحية ..ولأن أهل القرى المجاورة للمخازن تأثروا بآثار تلك المبيدات لقبوا مخازنها بـ(حُفرة الموت)، واشتهر اللقب..لم يشتهر اللقب شعبياً فقط، بل لمستوى توثيقه في تقارير المراجع العام أيضا.. بالأرقام والخرائط والوقائع، وثق الأستاذ عمر أحمد عبد الله، مدير جهاز المراجعة بولاية الجزيرة، في تقريره مآسي حفرة الموت .. وما في التقرير من كوارث حالية – وأخرى مرتقبة – كان يجب أن يصبح هما قوميا.. ولكن يبدو أن مساحة الهم القومي لاتتجاوز ( ورشة ميكانيكي)..!!
:: لو إجتهدوا في محاسبة المسؤولين كما يجتهدون في محاسبة هذا الميكانيكي، لعلموا أن المبيدات الفاسدة المخزنة بمخازن الرئاسة – ببركات – تقدر قيمتها بـ (4.293.487 جنيها)..وأن المبيدات الفاسدة بأحد مخازن الحصاحيصا، تقدر بـ (2.039.255 جنيها).. وأن المبيدات الفاسدة بمخزن آخر بالحصاحيصا أيضا تقدر بـ (4.769.854 جنيها).. أي تتجاوز قيمة القيمة الكلية للمبيدات المخزنة في مخازن ملقبة بحفرة الموت (11 مليار جنيه).. سلطات الجزيرة تعلم كل التفاصيل منذ ثلاث سنوات ونيف، وكذلك السلطات المركزية، تشريعية كانت أو تنفيذية..ولكن السلطات النيابية لم تعلم بعد بحيث تقدمها للمحاكم .. ربماً تشغلها قضية ( ورشة ميكانيكي ) ..!!
:: وبغض النظر عن تلويث البئية، فأن قيمة هذه المبيدات الفاسدة تكفي لإنشاء ثلاث مدارس – أو أكثر – بجنوب طوكر، أو إنشاء ثلاثة مراكز صحية – أو أكثر – بجنوب المناقل،أو حفر ثلاث حفائر – أو أكثر – بجنوب بارا و شمال عد الفرسان.. نعم، حال الناس – في طول البلاد وعرضها – يستدعي عدم إبادة ورقة واحدة من فئة الجنيه، ناهيك عن إبادة (11 مليار جنيه)، وهي قيمة المبيدات التي تم إستيرادها خصما من بنود تلك الخدمات المفقودة.. لم – ولن – تستخدم في مزارع الناس والبلد، لأنها ذات صلاحية منتهية ومكدسة في مخازن الدولة ..ولن تسأل أية جهة المسؤول عن هذا الإهدار..فالامر عندهم لم يتجاوز همسا من شاكلة ( خلاص ادفنوها)..!!
:: وكل هذه المبيدات في مخازن تبعد بضعة أمتار عن مساكن الناس، وهي التي يجب تخزينها في مخازن تبعد على الأقل (5 كيلومترات) عن تلك المساكن، كما تنص المادة (5) من لائحة تخزين وترحيل المبيدات، وهي لائحة صاغتها عقول العلماء الذين يدركون مخاطر المبيدات – منتهية صلاحيتها كانت أو صالحة – على الناس والأنعام ..ثم المخازن التي بها هذه المبيدات إما غير مسورة أو ذات أسوار غير محكمة..ولم يكن مدهشا أن تتعرض للسرقة بمظان أنها صالحة، ولكم أن تتخيلوا المخاطر التي تترتب على تسرب مبيدات فاسدة..ثم الأدهى أن الآبار التي تم دفن بعض المبيدات فيها قبل سنوات، تشققت أسطحها وتسربت مبيداتها، لأنها حُفرت بالمواصفات غير المطلوبة.. ومع ذلك لا متهم بتهمة تلويث حياة الناس والبلد غير ( الميكانيكي) ..!!

Exit mobile version