كيف يقابل السودانيون تحديات اختيار الرئيس القادم بعد انتهاء الفترة الحالية للمشير “عمر البشير”؟.. فالمشهد السياسي مشحون بالسحب الداكنة والإيقاعات الغامضة والمربعات السحرية ولا أحد يستطيع التكهن حول مجريات الأمور في ذلك التوقيت المرتقب، وأغلب الظن أن تلك الخطوة العملاقة ستكون من أكثر اللحظات تعقيداً وصعوبة في تاريخ السودان الحديث.
بحكم معطيات الدستور، فإن “البشير” سوف يستمر في الحكم حتى عام 2020م، بل سيكون في مقعد الرئاسة في حالة توصل مداولات الحوار الوطني إلى صيغة الحكومة الانتقالية أو القومية.
الآن الساحة السودانية تعاني من إشكالية إيجاد الرئيس البديل في المرحلة المقبلة سواء أكان من المؤسسة العسكرية أو الساسة المدنيين، فالشاهد أن آلية الاختيار ظلت مبنية على الكاريزمية الشخصية أكثر من لوازم النظم والمؤسسات، وقد حدث ذلك مع الرئيس الأسبق “جعفر النميري” الذي زحم الآفاق بنشاطه ومناوراته في الحكم عندما تحدث البعض عن بديله! وبذات القدر تكرر المشهد في أروقة المؤتمر الوطني عندما عجز في انتخابات الرئاسة الأخيرة عن تقديم مرشح غير “البشير” الذي كان واضحاً بشكل لا يقبل القسمة لأنه صار أكبر من المؤسسة الحزبية!!
تركيبة المؤتمر الوطني ترتكز على التشكيلات الفوقية التي لا تتناغم مع الأشكال الدنيا، فضلاً عن مؤثرات وجود تقاطعات الأجنحة والدوائر التي تشكل مبارزة لا ترى بالعين المجردة في ساحة الحزب، علاوة على ذلك هنالك طوفان العسكر الذي يتأطر في محاولة التحكم على تلابيب الميكانيزم الحزبي!! ولاشك أن مثل هذه الأوضاع تعرقل المنهج السلس حول إيجاد الرئيس القادم، بل حتى الذين يناصرون فكرة أن يكون القادم هو خليفة الرئيس ربما يترددون في تثبيت مواقفهم.
بداهة أن أكبر الأحزاب السودانية تأهيلاً في تقديم مرشح الرئاسة القادم هما حزبا (الأمة القومي) و(الاتحادي الأصل)، غير أن معطيات التنقيب تقودنا إلى غموض موقف الحزبين في المشاركة حول السباق الرئاسي القادم من خلال رؤية مغايرة لدى الطرفين، فالإمام “الصادق” له تجارب كثيرة مع مشاريع الإنقاذ السياسية وكيف كان يخرج في منتصف الطريق عندما يلمس علامات المخادعة والضباب في الثنايا.. وأمامنا موقفه المشهود في انتخابات الرئاسة السابقة، وربما يصرح قائل بأن الإنقاذ سوف تتغير إلى حد كبير بعد مداولات مؤتمر الحوار الوطني.. غير أن الإجابة تكمن في أنه مهما كانت التغيرات فانها لن تجعل الإنقاذ تفرط في منصب الرئيس القادم بغض النظر عن تماسك المؤتمر الوطني، والإمام “الصادق” يريد ضمانات قاسية وشروط محكمة، لكن تجربة رجل يلمس الباب بأصبعه ثم لا يدخل جديرة بالتأمل الشفيف.
أما (الاتحادي الأصل) فهو مسبحة تنفرط ولا توجد مؤسسة مسؤولة تتخذ القرار المدروس حول المشاركة في السباق الرئاسي أو عدمه.. وربما تخرج صيغة مباغتة لمؤازرة مرشح المؤتمر الوطني على طاولة الرئاسة.
السودانيون في المرحلة المقبلة يريدون رئيساً ليبرالياً يحارب الفساد فعلاً لا قولاً، ويخلق النموذج الأمثل لإصلاح الاقتصاد الوطني واقتلاع جذور الغلاء، والقضاء على طاحونة الجشع والمضاربات ولا يهمهم من أي حزب ينتمي، ومثل هذا الرئيس المنتظر لن يأتي إلا عبر سلامة النظام الانتخابي وملحقاته من التزوير والكذب والتدليس وبيع الذمم في ظل أجواء التنافس الديمقراطي الشريف.
الوضع الحالي في الساحة السودانية يؤكد لغز اختيار الرئيس القادم.. إنه جهد انتخابي وسياسي كبير يصطدم بالحقائق المؤلمة.. ولا أحد يتكهن بملامح الرئيس القادم والسيناريوهات التي تؤطر الحصول عليه!!
أمام الساسة السودانيين أجمعين فرصة مواتية لكسب التاريخ!!