عرض وتحرير عطاف عبدالوهاب – محمد الشناوي – كاميرا : محمد نور محكر
ــ هل تعتقد أن الحكومة تتماهى مع شعبها الآن؟
لو أدركت الحكومة عن طريق استطلاع للرأي أن هناك 90% من الشعب السوداني لديه اتجاه معين فستتجه إليه، لأنها إن لم تفعل ذلك فلن تكون حكومة تتمتع بالذكاء الكافي الذي يؤهلها للحكم، والحاكم عادة لا يذهب في الاتجاه الذي به مقاومة هو دائماً يذهب مع التيار، هذا أسهل وأسرع، أسرع في تحديد النتائج وتقليل العوائق، واستطلاعات الرأي العام ومعرفته ورأي القوى السياسية، ورأي عامة الناس مهم جداً لأي حكومة حتى تحكم بسلاسة، وربما بعضكم يعلم أن جهاز الأمن لديه تقرير يومي عن حالة الرأي العام، ليس جهاز الأمن في بلادنا فقط، بل في كل الدنيا لأي حكومة، لديه تقرير أسبوعي عن حالة الرأي العام، ولديه تقارير خاصة للقطاعات خاصة، أنا أقول هذا الحديث لأنني في وقت من الأوقات كنت المستشار الصحفي لرئيس الجمهورية وكنت أقوم بتلخيص كل تقارير الأجهزة للرئيس، سواء التقارير الخارجية والمخابرات والاستخبارات العسكرية وأنا مدرك ما الذي يرد في هذه التقارير.
ـ هل توجه الرأي العام يذكر في هذه التقارير؟
إحدى مفردات التقارير هو حالة الرأي العام، وهذه مهمة جدًا للحاكم حتى يحكم كما أسلفت، ولذلك فإن الحوار موجود هنا ايضاً، هل هناك قوة مؤثرة للرأي العام كقادة رأي عام سياسين أو غير سياسيين وهل هنالك تجاوب للرأي العام في اتجاهات معينة، في تقديري أنه من مصلحة الحاكم الذكي أن يتجاوب مع هذا الحوار، وقد دار حديث كثير جدًا عن الحوار، وكأن الناس ليست مدركة ما هو الحوار، الحوار هو مجرد أن يجلس الأشخاص إلى بعضهم ويتبادلون الرأي، بمعنى أنا أقول وأنت تسمع وأنت تقول وأنا أسمع، وهذا في النهاية إذا حسنت النوايا سيؤدي إلى اتساع دائرة التفاهم وبالتالي ستكون هناك دائرة التوافق، والتوافق هو في المواقف، وفي النهاية إذا وصلنا إلى قناعة معينة، يكون هناك تعديل بين المواقف تجعل التعامل بين الطرفين أسهل، وهذه واحدة من الأهداف.
ــ حزب المؤتمر الوطني يدير البلاد لوحده ألا تتفق معنا في هذا الأمر؟
هذه البلاد تعمل بالنظام الرئاسي، ويديرها رئيس الجمهورية، وليس من المفروض أن يديرها حزب، أريد أن أقول لكم شيئاً، لا يوجد عسكري سواء في جهاز الأمن أو الجيش يستطيع أن يتطاول على رئيس الجمهورية، أنا شخصياً أعتقد أن هذا النظام الرئاسي الراهن من أفضل الأنظمة التى يمكن أن يحكم بها السودان، أما الحديث عن أن الرئيس يشاور البعض ولا يشاور البعض الآخر فهذا عمله، وليس لأحد الحق على الاعتراض، هذا رئيس واختاره الشعب في نظام رئاسي، صحيح يمكن أن يكون به تعديلات وبطريقة تشرك أكبر عدد من القوى السياسية سواء من الحزب نفسه او الائتلاف أو أي شكل آخر، النظريات السياسية كثيرة ولكننا في نهاية الأمر نتوافق عليها كأحزاب السودان الرئيسية، ولم نختلف عليه مع حزب الأمة أو الحركة الشعبية أو الاتحادي الديمقراطي .. الناس اختاروا النظام وليس لأحد أن يتحدث ويقول بأن هذا النظام غير مناسب، ولو أردنا أن نغير النظام الرئاسي فعلينا أن نغير الدستور ونأتي بالصيغة المناسبة، أما الحالة الراهنة فهي تعبير صادق عن السلطات الدستورية التي أعطاها الدستور للرئيس .
ــ وأين الأحزاب والقوى السياسية؟
الأحزاب ليس لها وضع دستوري للحكم وفي النظام الرئاسي ، أنا رجل متخصص في العلوم السياسية وأقول إن الوزراء في النظام الرئاسي مجرد مساعدين، لا تستغربوا عندما يسمى مساعد رئيس جمهورية، كل الوزراء مساعدين لرئيس الجمهورية فالنظام الرئاسي يعتبر أن الحاكم هو الرئيس والآخرين مساعدين ومعاونين له في أبواب وجهات مختلفة.
ــ ألا تعتقد أن الحركة الإسلامية بها تقصير الآن؟
أنا فخور بأنني عضو في الحركة الإسلامية، وحتى لو كان هناك تقصير لا نخجل منه أبداً، وعندما نصلي فنحن نستغفر الله من تقصيرنا في الصلاة، وكوننا مقصرين كحركة إسلامية أو كافراد هذا أمر واقع وبعض الأحيان يكون التقصير كبيراً وأحياناً يفتح لنا باب الاجتهاد حتى (يسد الفرقة)، الذين يرددون أن هناك تقصيرا إنما يريدون أن يثبطوا الناس عن العمل الإسلامي، أما نحن فلن نثبط أحداً، العمل الإسلامي بالنسبة لنا طريقة، وأنا اسأل ما البديل عنه ؟ هل نجلس في بيوتنا نقول والله الحركة الإسلامية ما شغاله بالخط الذي نريده.
ــ هل يمكن أن تقبلوا برئيس ليس علمانياً؟
لن نصوت لعلماني أبداً، أما إذا جاء بالانتخابات ولم يسع إلى تغيير الدستور ولا تغيير نظام البلاد، أما لو كان يريد تغيير نظام البلاد وتحويلها إلى علمانية فسنقاوم ، أخبرتكم سابقاً أن الديمقراطية ليست بقرة مقدسة وليست عقيدة بالنسبة لنا، نحن عقيدتنا الدين والشريعة.
ــ هل تعتقد أن هناك شريعة الآن ؟
نعم، هناك شريعة، وما هو ظنكم للشريعة, مفهومكم عنها ضيق, هناك فرق بين تحكيم الشريعة وتطبيق أحكام الشريعة، من الممكن أن تكون مقصراً، ومن الممكن أن تحكم بالباطل باسم الشريعة، لو كنت قاضياً وجاء إليك رجل وامرأته وأنت تعرف أن الحق مع الرجل ولكنك حكمت لصالح المرأة هنا أنت حكمت بالشريعة ولم تطبق حكم العدل . فالحكم والتطبيق هنا مختلفان، الشريعة الآن هي الحاكمة ولا يوجد نص في الدستور مخالف للشريعة، أما كسبنا نحن في تنزيل أحكام للواقع فقد نخطئ في هذا ونحاسب على الأفعال، ولكن ليس بهذه الطريقة (الديماجوجية) بأن نقول لا توجد شريعة والأوضاع كلها صعبة، هذا كلام ديماجوجي، الدعارة كانت مفتوحة والخمور مفتوحة والفساد، وزراء يكتبون ما لا يعرفون.
ــ هناك فساد الآن في الحكومة؟
هذا كلام “ديماجوجي” لن أرد عليه، من الذي صبر على الفساد ؟ عليكم أن تثبتوا حالة من حالات الصبر على الفساد ثم نناقشها ولكن لا تخبروني بهذا الكلام “الدمياجوجي”.
ــ وفساد مكتب الوالي؟
الحمد لله الذي جعلكم تأتون بسيرتها، من الذي حرك الإجراءات في تلك القضية ، لقد حركها مكتب الوالي شخصياً، لكي لا يصبح هناك ظلم، أنا لدي إحساس أن عبد الرحمن الخضر ظلم ظلماً فادحاً من الصحافة بالذات، أحد الشباب المتهمين في القضية تورط ودعا الوالي لافتتاح منزله، الخضر عندما رأى المنزل استدعى مسؤول الأمن وقال له: أريدك ان تعرف من أين بنى هذا الشاب منزله؟ ثم بدأت التحقيقات، ولحسن الحظ أنني كنت متابعاً للتحقيقات قبل أن تعلن بشهرين، وكنت أعلم أن هناك شخصيات معينة يدور حولها التحقيق، الخضر كان يشرف شخصياً على هذه التحقيقات وكل الإجراءات الى أن وصلت العدالة ، فهل تسمون حراك الخضر هذا سكوتاً، ما فعله الخضر كان طلباً للعدل، الله سبحانه وتعالى جعل العدل في القول صنوة للقول في الفعل، فإذا فشلت في أن تتحرى العدل في قولك فستفشل أن تتحراه في فعلك، وكل من يتهم الخضر بأنه سكت على ما حدث بمكتبه فسيكون ظالماً ومتعدياً.
ــ القرار الأخير الذي أصدره وزير العدل في قضية تخفيضات الأراضي وضع الخضر في دائرة الاتهام؟
ليس صحيحاً، من الذي قال لكم هذا الكلام، هذا سوء فهمكم للحيثيات ، المستشار القانوني في ذلك الوقت فسر سكوت اللائحة عن حق الوالي في منحه تخفيضاً بأنه يمكن أن يعمل تخفيضاً، ولكن وزير العدل فسره بأنه لا يمكن، هذه مشكلة قانونية فقط، صحيح قد يكون حديث وزير العدل صحيحا ولكن على الأقل ان وزير العدل في ذلك الوقت لم يكن يتبنى هذا الرأي، ولقد رد عبد الرحمن الخضر على هذا الأمر بقوله إن كل السوابق السابقة أعطت الوالي بل وحتى الوزير الولائي سلطة أن يمنح تخفيضاً.
ــ لماذا انحسر الاهتمام بالثقافة في رأيك منذ أن جاءت الإنقاذ بينما كانت في السيتينات مزدهرة؟
معظمكم الآن إن لم يكن جميعكم لم يولدوا في الستينات دعكم من أن تعاصروها وتحكموا عليها، أنا كنت طالباً في الثانوي في ذلك الوقت وكنت أقرأ، صحيح أن الجيل كله كانت اهتمامته بالثقافة أكبر من الجيل الحالي، لم يكن هناك تلفزيون ولا انترنت ولا قنوات فضائية، كان لديهم فقط الكتاب، ولذلك كان الاهتمام بالثقافة في الستينات أكثر، بمعنى أن المسألة ظرفية أكثر من أنهم عباقرة لوحدهم واختاروا أن يكونوا مثقفين، وأي أحد يزعم أن النشاط الثقافي الأن أقل من الستينات أو السبعينات فهو كذاب.
هل تفسر أكثر؟؟
بطبيعة الحال فإن الخرطوم اتسعت واتسع الناس والسكان، يمكن أن تقولوا إنه من المفروض بعد الاتساع أن يكون الوضع أحسن مما هو عليه ، أما أن تقول إن الوضع أسوأ فهذا ما لا أتفق فيه معكم، أنا أعلم هذا جيدًا لأنني كنت في يوم من الأيام وزير ثقافة وكنت ممسكاً بملف الثقافة، أنا أستطيع أن أحسب لكم عدد المسرحيات زمان وعدد الأيام في الأسبوع وما هي المواسم، أما أن تقولوا إن الوضع الثقافي في السودان متراجع وغير مقبول فهذا صحيح.
ــ لماذا لا تدعم الحكومة الثقافة؟
باريس هي عاصمة الثقافة في الدنيا، وبلد الثقافة هي فرنسا ولكنها لا تدعم الثقافة بفلس واحد الثقافة يدعمها المجتمع المدني نفسه والقطاع الحر في المجتمع هو الذي يدعم الثقافة، على أي حال ليست الثقافة في أعلى أولويات الحكومة، وهذا مسلم به وكل الحكومات السابقة على هذه الشاكلة ما تشكر لي (راكوبة) في خريف كلهم كانوا (رواكيب) في الخريف.
ــ أغلقت الحكومة بشبهة سياسية مراكز ثقافية كمركز الخاتم عدلان واتحاد الكتاب؟
هذا الحديث غير صحيح، أنا دخلت وساطة وذهبنا وجلسنا مع الأطراف، والمشكلة التي أثيرت هي مشكلة قانونية، الوزارة قالت ليست لدينا علاقة مع السياسة، ولكن لدينا علاقة بالقانون.. لدينا نص قانوني عليهم أن يلتزموا به.
ــ دكتور أمين ما علاقتك بالصحافة؟؟
عملت بالصحافة منذ العام 1974، كنت مراسلاً ومحرراً ورئيس قسم وسكرتير تحرير ومدير تحرير ورئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة، تجولت في كل فنون الصحافة وكل مواقعها, أنا صحفي أكثر من كوني سياسياً، دائماً ما أقول للدبلوماسيين الذين أقابلهم إنني صحفي, هذا الأمر يعطيك ” فرقة للصراحة” أن تتحدث بصفة صحفي أكثر من صفة السياسي، فالسياسة بطبعها تجعلك تفكر في مآلات الكلام وأثره على الأصحاب وعلى الخصوم, أما في الإعلام فيطلق عليها رجع الصدى بمعنى أنك ترى رد الفعل بعد الحديث، في السياسة أنت ترى رد الفعل قبل الحديث، ثم تتحدث حسب توقعك لتداعيات الحديث ومآلات ما ستقوله.
ــ هل هذا أحد معوقات الإصلاح السياسي؟
نعم لأن به الكثير من المداهنة للجمهور، أحياناً مخافة من مآلات الحديث، هذه حالة متعلقة بجوهر الممارسة السياسية.
الصيحة