د. جاسم المطوع : سألني ولدي: لماذا الله يعذب الأطفال؟

قال: سألني ولدي ولم أعرف كيف أجيبه، قال لماذا الله يعذب الأطفال؟ فبعض الأطفال يولدون معاقين أو يصيبهم مرض خطير مثل مرض السرطان، فلماذا الله يخرجهم للدنيا طالما أنهم سيتألمون؟ قلت: هذا سؤال مهم وخاصة عندما يقترب الأبناء من سن المراهقة، فإنهم يفكرون كثيرا في الأحداث والأقدار وفي الخالق والكون ويحاولون أن يمنطقوا كل حدث أمامهم وتغيب عنهم الحكم المستقبلية للأحداث، قال: عندما سألني ولدي هذا السؤال قلت له دعنى أسأل أو أقرأ وأجيبك عن سؤالك.

قلت له: حسنا فعلت، ويمكنك أن تجيبه في ثلاث نقاط: الأولى شرح الحكمة من الأقدار وخاصة الابتلاء والمصائب التي تصيب الإنسان، والثانية كيف ينظر للقدر خيره وشره ويؤمن به على الرغم من عدم معرفة الحكمة من الأقدار، والثالثة أن تذكر لولدك قصة واقعية ليفهم المعاني الغيبية مثل قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، قال: طيب ممكن تشرح لي أكثر، قلت: نعم وبكل تأكيد.

أما النقطة الأولى أن الله تعالى عندما يبتلي العبد بغض النظر عن عمره، سواء كان طفلا أو كبيرا فإن في ذلك حكمة ربانية، وهي أن الله يبتليه لعدة أسباب منها: لمغفرة ذنوبه أو زيادة حسناته أو لتقوية إيمانه أو لاختبار تسليمه بقضاء الله وقدره أو لشكر الله ومعرفة نعمه، وأما في حالة الطفل الصغير فقد يكون الابتلاء لتحقيق هذه الأسباب لوالديه أو لأهله.

وأما النقطة الثانية فهي معرفة أن علم الله تعالى يختلف عن علم البشر، فنحن ننظر للأمور الحالية والله يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله يعلم الماضي والحاضر والمستقبل فهو يقدر بما فيه خير للإنسان، ولهذا علينا أن نؤمن بالقدر خيره وشره، لأن كل ما كتبه الله للإنسان فيه خير له وإن كان الحدث في ظاهره مرضا سرطانيا أو إعاقة، وقل له مثال طبيب الإسنان الذي يؤلمك عند العلاج من أجل شفائك فأنت تعيش الألم الحالي ولكن الشفاء في المستقبل، وهكذا هي أقدار الله فقد يكون فيها شيء مؤلم الآن ولكن في نهايته علاج وشفاء وخير.

وأما النقطة الثالثة فهي أن تذكر له قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح في مواقفه الثلاثة: الأول عندما أراد العبد الصالح أن يخرق السفينة فاعترض عليه موسى حتى لا يكون سببا في غرق السفينة، والثاني عندما قتل الطفل فاعترض عليه موسى بأنه لا ذنب له وهو صغير في السن، والثالث عندما طلب استضافة أهل القرية لهما فرفضا أن يضيفوهما فوجد جدار كاد يسقط فبناه لهم، وكان موسى عليه السلام يعترض في هذه المواقف على تصرفه لأنه يشاهد الحاضر، والعبد الصالح كشف الله له علما خاصا يستطيع معرفة المستقبل، فأخبره بأن السفينة كان يراقبها ملك ولو رآها سليمة لاستولى عليها فكان من الخير أن يكون فيها عيب، وأما الطفل فهو لأبوين مؤمنين ولو كبر فإنه سيتعبهما ويرهقهما بكفره فكان من الخير قتله، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين وكان تحته كنز لهما تركه لهما جدهما فكان في بنائه خير لهما في المستقبل

قال: هذه ثلاث نقاط مهمة جدا وأكثر ما أعجبني قصة موسى مع الطفل فكأنها تجيب عن سؤالي، قلت: ولهذا أبناؤنا في سن المراهقة يكون غائبا عندهم أمران: الأول أنهم يفكرون في الدنيا بتجرد عن الآخرة، والثاني أنهم يفكرون في الجانب المنطقي أكثر من الجانب الغيبي، وأي قدر حتى تكتمل الرؤية فيه وتراه بشكل صحيح لا بد أن يشاهده ابنك بنظرة ربانية ينظر فيها للحاضر والمستقبل، ولأن هذه النظارة من الصعب وجودها فلهذا أمرنا الله بأن نؤمن بالقدر خيره وشره ونقول: كل ما كتبه الله لنا فيه خير لنا، واستمر في حوار ابنك والإجابة عن تساؤلاته.

Exit mobile version