> يبدو أن شرط الحكومة للموافقة على مرور الإغاثة لجنوب كردفان والنيل الأزرق عبر الطائرات التابعة للأمم المتحدة، وبسطت موافقتها هذه أمام وفد المانحين أول من أمس، هو مثل النقش على الماء لا أثر له، ويعلم ممثلي الدول المانحة المتواجدين بين ظهرانينا هذه الأيام كما تعلم الحكومة قبلهم، إن طائرات الإغاثة الأممية لا توجد حتى اللحظة، أية آلية محددة ومتفق عليها بين الطرفين لمراقبتها ومعرفة ما تحمله، خاصة أن الحكومة لم تذكر في شرطها وفي نقاشها معهم، المناطق التي تنطلق منها الطائرات المحملة بالإغاثة ومطارات الإقلاع والهبوط ومناطق ونقاط التوصيل..!
> فمع عدم توفر آلية للمراقبة وكيفيتها، وعدم معرفة من أين تنطلق الطائرات ووسائل النقل الأخرى الناقلة للإغاثة وطرق عبورها، فإن الحديث يتحول إلى ما يشبه الرجاء من الحكومة للمانحين والأمم المتحدة بالتلطف بنا وبلادنا بعدم نقل الأسلحة والذخائر عبر طائرات الإغاثة للمتمردين وعدم تهريبهم هم أنفسهم بالطائرات كما يحدث دائماً، فلو لم تتمكن طائرات تتبع لمنظمات الإغاثة من نقل عبدالواحد نور في العام 2005 من مناطق جنوب جبل مرة إلى خارج السودان، لكان هو الآن نسياً منسياً. ولولا المساعدات التي تقدمها الإغاثة الأممية لمعسكرات المتمردين في دارفور والمنطقتين والدعم الفني والعسكري والمعلومات والمسح الجوي ونقل الجرحى والمصابين من قيادات وأفراد الحركات المتمردة، لما بقي حتى اللحظة في المنطقتين وفي دارفور متمرد واحد..!
> ويمكن القول إن الحكومة تراجعت قليلاً عن الاتفاقية الثلاثية لنقل الإغاثة التي وقعت في وقت سابق مع الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، ووقعتها الحركة الشعبية قطاع الشمال قبل الحكومة بيوم واحد ثم تنكرت لها وأنكرت العمل بها فيما بعد، وظل موقف الحكومة الثابت إنه لا وجود لما يسمى بمرور الإغاثة عبر ممرات أخرى لا تنطلق وتبدأ عبر النقاط المحددة داخل الأراضي السودانية، أو تكون الإغاثة غير محددة وغير مراقبة، وظل قطاع الشمال بالحركة الشعبية في كل جولات التفاوض السابقة معه يطالب بعدم مراقبة الإغاثة وتحديدها وتقييدها والسماح لها بالدخول من كل الممرات بما في ذلك العبور عبر حدود دولة جنوب السودان، جعل من تصوراته لها شرطاً من شروط الهدنة والاتفاق حتى تعطلت المفاوضات..
> حتي لا تقع الحكومة في الفخ، فإن القياس على تجربة اليوناميد يفيد في التعامل مع وفد المانحين وفي القبول الكامل بمقترحات مرور الإغاثة، فإذا كانت بعثة اليوناميد التي تقع تحت بصرنا وسمعنا وتحميها قواتنا في كل مناطق دارفور، وتعمل وتنشط وتتواجد مقارها في رئاسات الولايات والمحليات بدارفور، فإنها ترتكب أبشع أنواع المخالفات والتجاوزات، مخالفة بذلك تفويضها ومهمتها، فهي تتعاون مع الحركات المتمردة وتنقل لهم المؤن والسلاح والذخائر بطائراتها وسياراتها، وتكتب هذه البعثة المشؤومة أسوأ التقارير عن الوضع في دارفور، وتتجاوز القوانين والاتفاقية التي بموجبها دخلت بلادنا، فكيف بعمليات الإغاثة التي لم تحدد لها آليات بعد؟.. بل كيف ستتم عملية التأكد من أن الطائرات لا تنقل أسلحة عند دخولها البلاد ومناطق المتمردين، او تعمل على تهريب المتمردين عند خروجها..؟ وهذا الحديث نفسه الذي جاء في تصريحات الحكومة أمس، فيه معنى واضح جداً أن ميات الإغاثة والطائرات ستأتي من خارج البلاد وهي غير مراقبة وغير محددة وغير خاضعة للتفتيش والرصد والتأكد ..!
> لا يمكننا الثقة في عمليات الأمم المتحدة التي خبرناها منذ عمليات شريان الحياة التي بدأت في النصف الثاني من عقد السنوات الثمانين من القرن الماضي واستمرت حتى وقت قريب، وكانت عملية شريان الحياة التابعة لمنظمات الأمم المتحدة هي السبب المباشر في تفاقم الحرب في جنوب السودان وتسببت في زيادة عدد الضحايا والمتأثرين بالحرب، بسبب نقلها لأسلحة وذخائر للجيش الشعبي، وتسهيلها لعمليات التنقل والخروج والدخول لقيادات الحركة الشعبية يومئذ بمن فيهم جون قرنق. ونقلت عبر طائرات شريان الحياة جرحى الحركة الشعبية من داخل جنوب السودان ثم العودة إليه بعد العلاج لمواصلة الحرب..
> تقتضي مثل هذه الأمور العمل بحكمة، وليس فقط التقديرات السياسية للظرف الراهن وعلاقتنا مع الأمم المتحدة، وهناك رابط مخفي في هذه القضية، فهل إثارة الاتهامات ضد الحكومة وتصعيد قضية شكوى بعثة اليوناميد ضد الحكومة أمام إدارة حفظ السلام بالأمم المتحدة ووصولها لمجلس الأمن الدولي، هي مقدمة للضغط على الحكومة حتى تقبل بما خرج به وفد المانحين اليوم؟..
يجب الحذر وعلينا باليقظة حتى لا نعض بنان الندم بعد حين ..!