مع تجيير (كبير) وتحوير طفيف، وتحديث ضروري، يمكنني أن أستعيد عبارة (قديمة) كان يستخدمها بكثرة أستاذ التربية الإسلامية الذي درسني في الثانوية. مولانا معروف (رحمة الله عليه)، كان بين كل جملة وأخرى يردد: (كودل إن) بمعنى (كون إن)، وهكذا دأب طوال حصة التربية الإسلامية.
وهنا، وببعض الحذر الضروري، يمكنني أن أجري بعض التحديث لعبارة مولانا وأستبدلها بـ (كودة إن)، في إشار إلى يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي الموالي تارة، والمُعارض أخرى، وما قد يسعفني أكثر في استطراداتي هذه، أن كلمة (كودة) تعني في اللغة التركية (جامع الركام) كما تعني (المنضد)، وكذلك تطلق على (مُستف) البضاعة حينما يضع (الكراتين والطرود) بعضها فوق بعض.
لكن، للأسف الشديد، فإن الراصد لسيرة ومسيرة رئيس حزب الوسط، لا يجد له مثقال ذرة من حظ في معنى اسمه بـ (التُركية)، فالرجل ظل ناشطاً ضمن تيارات الإسلام السياسي التي تقع على يمين الإخوان المسلمين (أنصار سنة – سلفيين)، ثم بعد حين، يبدو أنه استدرك أن عليه الاقتراب من السلطة أكثر، فكان أن قرر مولاة الإخوان المسلمين (الحاكمين)، فظل يخطر ويتبختر تحت أضواء (تلفزيونهم) عبر برنامج ديني ظل يقدمه سنوات تحت اسم (روح وريحان)، اختلف (يوسف الكودة) مع (جماعة أنصار السنة)، وأسس كياناً سياسياً أطلق عليه حزب الوسط الإسلامي، وبالطبع فإن مثل هذا الاسم يحمل تناقضاً كبيراً في داخله، إذ لا يُمكن في الأعراف السائدة (سياسياً) أن يصنف حزباً دينياً في (الوسط)، لأن الديني يناقض (الوسطية) بمعناها السياسي.
دعوا عنكم كل ذلك، ولنأتي إلى (كودة إنّ)، حيث إن حرف توكيد ونصب، ولأنها تشبه الفعل شبهاً (لفظيا ومعنوياً)، فإنه في الوقت الذي كنا نريد فيه أن يؤكد (الكودة) إلى أين يميل؟ نجده يمارس ما يشبه (النصب) السياسي، على خطى حزبي الوسط الكبيرين (الاتحادي والأمة الأصليين)، وفي هذا الصدد فإن الرجل عندما قرر أن يكون معارضاً بدا أكثر تطرفاً من كافة المعارضين المُخضرمين من حاملي السلاح، فحين وقع في العاصمة الأوغندية كمبالا، على وثيقة (الفجر الجديد) مع رئيس الجبهة الثورية، مالك عقار، بحضور نائبه، مني أركو مناوي ومستشاره التوم هجو، أطلق تصريحات نارية طالب فيها الرئيس البشير بالتنحي لتجنيب البلاد العقوبات والضغوط التي تتعرض إليها، وقال أكثر من ذلك بكثير. لكنه ما إن عاد للمشاركة في الحوار الوطني حتى كال للمعارضة أضعاف ما كاله للنظام.
على أي حال، ورغم أن الحزب الذي يتزعمه الرجل لا جود حقيقي له في الساحة، إلا أن صوته المحتشد في حنجرة (رئيسه) عالٍ جداً، سواء أكان في الموالاة أو المعارضة، ولأن عملنا نحن الصحفيين ورصدنا لما يدور في الساحة السياسية، علمنا أنه إذا أردت قياس أداء حزب ما (فانظر) إلى حنجرة زعيمة، كلما تضخمت وتضمخت بالكلام، فتأكد أن ليس للحزب شيء يقدمه، وهكذا بدت لي عملية (الكوارك) التي صاحبت انخراط الكودة في الحوار، وكأن فيها (إنّ).