«كفى يا شعر .. ماغادرت في التاريخ .. ماقصرت في التوبيخ .. شكراً لك .. لأنك حين قلت الحق كان القول مسجوعاً فأرقصهم .. ولما قلته بالنثر أربكهم .. وكم حاولت من مسلك .. فشكراً لك» .. عبد القادر الكتيابي ..!
٭ يوم أمس منحتنا قناة الخضراء الوليدة – التي أسست لانطلاقتها برؤية استراتيجية متكاملة لقضايا الأمة والهوية والثروة الإنسانية والزراعية والاقتصادية، والتراث القومي – لحظات سائغة من الجلال، قضيناها في رحاب الشاعر الفذ والإعلامي القدير «عبد القادر الكتيابي»، الذي تحدث فأجاد وأبدع وأفاد، في ندوة ثرة، شيقة، بعنوان (العمل الإبداعي بين الوظيفة المهنية وخصائص الإبداع) برعاية بنك النيل ومشاركة مجلس إدارته ..!
٭ تحدث «الكتيابي» عن أهمية الاختصاص ودور تقارير الأداء التي يكتبها المختصون في قرارات التعيين، وكيفية وصول إدارة الكيان الإعلامي إلى معادلة النجاح التي تجمع مختلف القوى الإبداعية من خلال تمحيص القدرات الذاتية وتطويرها، بتطبيق (نظرية فريق الكرة) تدريباً وتطويراً فمواكبة .. «كلما دربت من يستحق كلما قللت من صرفك المؤسسي» .. وهكذا ..!
٭ الندوة بموضوعها الرئيس ومداخلاتها القيمة كانت عصفاً ذهنياً منتجاً، وبداية موفقة تلزم المنهاج المهني اللازم لتدشين أي قناة تلفزيونية تطمح للقيام بفعل ثوري جديد يمسك بالمشهد الإعلامي الخامل من كتفيه ويهزها هزاً ليمنحه بعداً جديداً ..!
٭ اليوم وقد انحسر دور تلفزيون الدولة الرسمي في مضمار الهويَّة، وفي تقديم الصورة السياسية والاجتماعية والثقافية للبلد التي يحمل شعارها، كما ينبغي لها أن تكون حيناً، وكما تريد لها أجهزة الدولة أن تكون أحياناً .. كيف السبيل إلى نفض العدة الإعلامية القديمة وتصحيح المنهج ..؟!
٭ لا تزال أمزجة صناع القرار، وذائقة الفئات الشعبية المهيمنة ثقافياً، هي العائق الأكبر في نجاح إعلامنا المرئي في تقديم صورة منصفة للهوية القومية .. ولئن كانت الهويَّة التلفزيوينة للبلد تعني تقديم بانوراما اجتماعية لكافة شعبه فإن ذلك يعني – ببساطة – أن يعكس التلفزيون السوداني خصوصية وثراء الجغرافيا الثقافية والعرقية لذلك الشعب بكل إثنياته المترامية وثقافاتها المتباينة، فضلاً عن ثقافة الوسط والشمال التي ظلت التلفزة السودانية تمثلها كثيراً وطويلاً ..!
٭ لا يكفي أن يعكس الإعلام المرئي جانباً هزيلاً من هذا الثراء .. لا يكفي أن يظهر كل هذا في لمحات باهتة مقحمة في صور درامية شحيحة .. ولا يكفي – أيضاً – أن يقتصر التنوع على نوعية البرامج وحدها، بل ينبغي أن يشمل المذيعين ومقدمي البرامج أيضاً..!
٭ ما الذي يدفع القائمين على أمر قناة بعراقة الـ بي.بي.سي – مثلاً – إلى الجمع بين الملامح شرق الآسيوية والعربية والعرب أفريقية والهندية والأوربية في باقة مذيعيها سوى الحرص على تقديم صورة واقعية .. صادقة .. وصريحة تعكس التنوع العرقي والثقافي والاجتماعي في دولة بقيمة وقامة المملكة المتحدة ..؟!
لماذا يشعر المواطن السوداني الخام – غير المكرر بموجهات إعلامية – أن الواقع السياسي في جهة وأن التوجه الإعلامي لبرامج التلفزيون في جهة أخرى، بينما نبض الشارع في شغل شاغل عن كليهما؟! .. كيف يقبلك الآخر إذا لم يكن قبوله هو لسان برامجك؟!.. كيف يقبل أن تتحد أشواقه المستقبِلة بأشواقك المرسلة؟! .. كيف يقبل أن يكون مشاهدك وهمومه كانت وما تزال ضيفاً مقحماً على برامجك وأطروحاتك ..؟!
ولماذا كل ذلك التشبث المسكين بالهوية العربية البحتة في الإعلام المرئي في بلد عرب/إفريقي اسمه «السودان» .. على الرغم من تفرُّده الثقافي وخصوصيته الإثنية والجغرافية ..؟!
السؤال – من الآخر! – هل تقدِّم الفضائيات السودانية – اليوم – بانوراما صادقة لتنوع جذور وثقافات وتراث وشعوب هذا البلد ؟! .. قبل أن نطالب بتصحيح هويتنا التلفزيونية .. علينا أن نحسم – أولاً – أمر هويتنا الشعبية .. أليس كذلك ..؟!