القرار الذي اتخذه والي غرب كردفان “أبو القاسم الأمين بركة” بإعادة هيكلة الإدارة الأهلية لقبيلة واحدة من قبائل ولايته المتعددة.. وقيل إن القرار وجد الدعم والمساندة من القواعد والقيادات وزعماء الإدارة الأهلية، ينطوي على مزالق وسير على أرض لزجة، قد تهوي به لدرك سحيق من المشكلات والأزمات.. وقد يؤدي القرار لوحدة المنطقة واستقرارها.. والقضاء على بؤر النزاعات القبلية والتفلتات الأمنية.. كلا الاحتمالين وارد إزاء واقع شديد التعقيد. ووالٍ جاء حديثاً لمنطقة، تشكل عصب ولحمة كردفان وهو يفيض حماساً وتمتلئ جوانحه بالنشوة لسلطة تنزلت عليه، وهي سلطة مطلقة. ومال بترول، لا يعرف مقداره وكيف يصرف، وأين ذهب في السنوات الماضية.. بينما وزارة العدل تتقاصر همتها – حتى الآن – عن بلوغ مستوطنة فساد مسكوت عنها، ولو مؤقتاً.
الأمير “أبو القاسم بركة” أو هكذا يكنى تدليلاً وترفيعاً لشأنه، فالسلاطين في بلادي إما دكاترة أو جنرالات أو شراتي وأمراء يجمعون بين السلطات الطبيعية والسلطات المكتسبة، أصدر قراراً بعد عقد ورشة ليوم واحد، بإلغاء الإدارات الأهلية لبطون المسيرية (الموسومة) بالأمراء، والعودة للوراء، ولسنوات الإدارة الأهلية الناضرات بتسمية ناظر عموم لقبيلة المسيرية، وتحت الناظر ثلاثة أمراء فقط، بدلاً من أكثر من ثلاثين أميراً.. الأمراء الثلاثة لبطون القبيلة الكبيرة المسيرية الزرق والمسيرية الفلايتة والمسيرية العجابرة.. وإحالة العدد الكبير من الأمراء الذين عينتهم الحكومة من قبل زعماء على أهلهم العجابرة المفتوحة..للتقاعد، وذلك نزولاً عند توصيات الورشة الحكومية التي عقدت في “الفولة” تحت رعاية السيد الوالي، ومثل هذه الورش والمؤتمرات تصدر قراراتها وفق ما يمليه عليها أهل الحكم لتصبح القرارات (ما يطلبه الحكام والولاة)!!
من حيث المبدأ وحدة الناس وتماسك قبيلة كبيرة ضحت من أجل هذا السودان بالدم والأرواح، وكتبت تاريخاً في المقاومة والتصدي لمشروع الحركة الشعبية، حتى بلغ شهداء المسيرية الـ(18) ألف شهيد.. وقد تعرضت القبيلة لمحنة استهداف داخلي وخارجي وفتنة مقيتة بين بطونها، هلك فيها الشباب والرجال ولكن حكمة الحكماء حفظت الدماء من بعد ذلك.. وتعدد زعماء الإدارة الأهلية في الفترة الماضية لا يد للقبيلة فيها، إنما هي سياسات حكومية جعلت لكل (خشم بيت) أميراً، لأسباب قدرتها السلطة ولمنفعة خاصة بها.. ولرغبات بعض القيادات في بداية تسعينيات القرن الماضي.. فهل زالت الأسباب التي أدت لتفتيت القبيلة الواحدة حينذاك.؟. وثمة أسباب تدعو لإعادة دمج الوحدات الصغيرة التي أنشئت بقانون منذ ذلك الوقت. وجاء اليوم الذي (تدمج) فيه الوحدات الصغيرة في كيان كبير نزولاً لمقتضيات المرحلة. هل مثل هذه السياسات يمكن اتخاذها من خلال ورشة يحضرها حفنة من الأشخاص (المحظوظين) برضاء السلطة وحكومة الولاية؟ أم هي قرارات لها أبعادها السياسية والأمنية والاجتماعية؟ وبالتالي ضرورة توسعة المشاركة ودراسة القرار من جهات أعلى من ولاية غرب كردفان التي لا تمثل إلا (ترساً) في منظومة كبيرة اسمها الحكم الاتحادي؟؟
إنها خطوة محفوفة بالمخاطر إذا لم تسبقها مشاورات خاصة بأبناء القبيلة لوحدهم بعيداً عن تأثيرات السياسيين ومصالحهم التي تتقلب من زمان لزمان. ولكن ربما للأمير “أبو القاسم الأمين بركة” توجيهات مركزية لإعادة توحيد الإدارة الأهلية لقبيلة المسيرية وقديماً قيل (خادم الفكي مجبورة على الصلاة).