{ بقدر ما هو مناسب تعيين الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” سفيراً بوزارة الخارجية، والأنسب كذلك للمحطة المهمة؛ سفارتنا في المملكة العربية السعودية، حيث عرفت عنه علاقاته القوية مع عدد من أمراء السعودية وشيوخ الخليج بصفة عامة، وقد عمل وزير دولة ووزيراً للخارجية لنحو (عشر سنوات)، ما أكسبه رصيداً كبيراً في العلاقات الدولية والإقليمية، إلا أن إفراغ الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) وأجهزة الدولة من القيادات السياسية ذات الخبرة المتراكمة، يضعف الأداء السياسي في الداخل، ثم يؤدي من بعد ذلك لإضعاف الدولة.
{ وإذا كان رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” قد صوّب قبل أسابيع انتقادات شديدة لأداء الحزب وغيابه عن القواعد خلال الفترة الماضية، فإنه يصبح غريباً أن يتم (إفراغ) الحزب من كوادره القيادية المدربة والمحنكة ابتداء من “علي عثمان”، مرورا بـ”نافع” ثم “غندور”، وأخيراً وربما ليس آخراً “مصطفى عثمان”!!
{ من يدير هذا الحزب إذاً من بعد ذهاب كل الصف الأول من رئاسات القطاعات والأمانات والاكتفاء بعضوية بعضهم للمكتب القيادي حيث لا عمل سياسي تنفيذي يشاركون فيه؟!
{ وغالب الكوادر الشابة التي تم تصعيدها لا تفقه كثير شيء في السياسة، كما أنها تقبل على المسؤوليات الجسام بأيادٍ مرتجفة، وأقدام خائرة واهتزاز في الشخصية يجعلها في حالة (خوف) مستمر من الخطأ والمحاسبة من الجهات الأعلى ثم الإقالة، ولذلك تجدهم دائماً يؤثرون السلامة، ويمشون (جنب الحيط).. ما هكذا يدار حزب قائد.. لوطن رائد!!
{ ومع وجود تلك القيادات الكبيرة، كان هناك اختلال واضح في الممارسة السياسية، ربما سببه تعدد وتنازع (مطابخ القرار) في الدولة، فالقطاع السياسي بالحزب ليس هو الصانع الوحيد للقرارات السياسية بالدولة، بل قد يكون أضعف الحلقات في دوائر صناعة القرار، فكيف يكون الحال إذا ترك أمر إدارة قطاعات الحزب للقادمين من أمانات الشباب والطلاب حديثاً؟!
{ والمؤسف أن (المؤتمر الوطني) بعد (ربع قرن) من التمدد على مفاصل السلطة والانفراد بقيادة العمل السياسي، عجز عن تقديم قيادات سياسية شابة قادرة ومتمكنة ومؤهلة لتسلّم الراية، اعتماداً على كسبها بين الناس، وليس صعوداً على أكتاف قياديين أكبر سعوا للاستمرار في القيادة (من وراء ستار) بتقديم (أولادهم في الحزب) لمواقع أرفع، لا يستحقونها.
{ والنتيجة.. هذا الواقع السياسي البئيس، حيث لا أفكار ولا مبادرات ولا اختراقات ذات قيمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
{ وكيف نتحدث عن اختراقات حتى على مستوى العلاقة مع دول الخليج، والواقع الاقتصادي يكذب ذلك، فـ(الدولار) و(الريال) و(الدرهم) في صعود (يومي) بالسوق الموازية وهي الأساس في غالب المعاملات المالية، فلا نقد أجنبي متوفر في المصارف والصرافات، بل مجرد كلام للاستهلاك لا يسمن ولا يغني من جوع.
{ إن غياب أو تغييب العقول السياسية والاقتصادية عن مواقع الفعل بالدولة، والتركيز على شباب تنفيذيين (رجافة) لا يقود حزباً ولا دولة إلى بر الأمان.