لم تستطع أية جهة رسمية تقديم تبرير مقنع لغياب رئيس جنوب أفريقيا السابق “ثامبو أمبيكي” عن جلسات مؤتمر الحوار يوم “السبت” الماضي بصفته مراقباً للشأن السوداني وسعى لإقحام الاتحاد الأفريقي في مبادرة الحوار الوطني، لكن تمسك الرئيس “البشير” شخصياً بسودانية المبادرة ورهانه على تقديم نموذج وطني بعيد عن الوسطاء والداعمين والشركاء الأجانب، وأغلق الباب في وجه “أمبيكي” الذي ظن الكثيرون أنه بعد أن أصبح رئيساً سابقاً لم يجد ما يزجي به فراغه العريض سوى القضية السودانية، والنزاع المسلح في المنطقتين، وأزمات ما بعد الانفصال.. لكن الرئيس السابق لجنوب أفريقيا أثبت خلال المبادرة التي يقودها حياده وموضوعيته، مما أثار غضب الحركة الشعبية واتهامها لـ”أمبيكي” مرات عديدة، ولكن “أمبيكي” أيضاً لم يسلم من لسعات حكومية وهجمات من صحافيين (وصفوه) بالعاجز عن فعل أي شيء.. وتجنى عليه من تجنى.. ولكن الرجل الستيني كان صابراً.. وكبيراً.. وتقييم أداء “أمبيكي” متروك للتاريخ.
لكن الحقيقة التي لا مجال لإنكارها، أن غياب “أمبيكي” الأخير عن جلسات الحوار الوطني أثار تساؤلات عن حقيقة وجود أزمة صامتة في العلاقة بين السودان والاتحاد الأفريقي، منذ البيان الذي أصدره مجلس السلم والأمن الأفريقي الأخير.. وإصرار الاتحاد الأفريقي على الدخول في مبادرة الرئيس (الوثبة)، والإشراف على الملتقى التداولي بأديس أبابا، قبل بدء جلسات الحوار الوطني، لكن الحكومة رفضت مبدأ حضور جلسات الملتقى التداولي، وفي ذلك تهدف الحكومة لتأكيد شيئين أولاً: أن السودانيين بمقدورهم التفاوض وحدهم دون وسيط أجنبي، ويحققون نتائج تفضي لتغيير الواقع، ثانياً: هناك إصرار شديد من الرئيس على إثبات أن السودانيين وحدهم قادرين على فعل الكثير.. ويعتزم الرئيس تقديم تنازلات كبيرة (عربوناً) لسودنة الحل، وذلك يقتضي إبعاد المؤثرات الأجنبية، والنأي عن عقد لقاءات خارج الحدود مهما كانت الحجة التي قدمت الدعوة لها.. والاتحاد الأفريقي ووسيطه “أمبيكي” أصدر قرارات لم تجد الدعم ولا الاعتراف من قبل الحكومة، لكنها دغدغت مشاعر المعارضة، التي نفخت (كثيراً) في نار الخلاف (المتخيل) بين الاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية، وهناك أطراف إقليمية عدّت التقارب السوداني- الخليجي بالضرورة خصماً على العلاقة مع الأفارقة، الذين انتابتهم شكوك حول مواقف الحكومة السودانية، والشاهد على ذلك غياب شبه كامل لممثلي الدول الأفريقية باستثناء الرئيس التشادي، الذي تحركه في الملف الدارفوري أواصر الدم ووشائج ذوي القربى.. وجنوب السودان.. وإريتريا وكينيا.. جميعهم (غابوا) عن المشهد أو (غيبوا) عن الوصول للخرطوم بسبب توتر صامت مع الاتحاد الأفريقي، كما تقول بعض الجهات.
إن غياب “أمبيكي” من ورائه علامات استفهام عديدة، تتطلب من وزارة الخارجية التي أخذ البروفيسور “إبراهيم غندور” يعيد إليها دورها، ويصلح ما أفسدته سياسات سابقة خاصة على صعيد القارة الأفريقية، تتطلب المعالجة، وأول الأجندة التي تتطلب معالجة وتسوية عاجلة هي عودة العلاقة بين “أمبيكي” والحكومة السودانية.. وفاءً لما قدمه الرجل للخرطوم من خدمات لا تقدر بثمن ولمواقف الأفارقة مع السودان، فحينما ادلهمت الخطوب وتكاثرت علينا وخذلنا العرب، وحاصرتنا الدول الأوروبية لم نجد غير الأفارقة الذين نسيء الظن بهم ولا نقدر عطاءهم ومواقفهم.. خاصة المبعوث “أمبيكي” الغائب عن مشهد ينبغي أن يكون فيه حاضراً.