(1)
مصير مجهول للبغدادي (المختفي) وما الغرابة مادام المصير مجهول لبغداد الماثلة.
(2)
بعد سفسطة النخب وإدعاءاتهم ومزاعمهم واستعراض عضلاتهم الفكرية والأكاديمية والتمشدق بكل ما لا طائل من ورائه في صالات الحوار.. أحلم براية تشد على طول القاعة وعرضها ممهورة بالضمير الشعبي للانسان السوداني بخطوط لا تخطئها العين
(كلام الطير كلو قلتوهو
بس كلامي أنا الماعرفتوهو)
(3)
* دون أن يكمل (أنسه) الحبيب مضى ونسي ودون أن يكمل تجربته تجاه وطنه وأهله مضى ونسي ودون أن يكتب تجربته الصالحة في العمل العام وفي الدعوة وحب الآخرين مضي ونسي.
مضى ونسي ابن الأسرة التي رضعت من ثدي الحق أماً وأباً وأخوة وأنكسرت كل رماح الأدعياء وبقيت قواعد سيوفهم وأفكارهم ماضية وشاهدة رحم الله صلاح ونسي الوزير السيادي الذي كان مثلها ومعها وزيراً لكل عريس زف الى الجنة متقدماً ركب الشهادة والهيام في سبيل الله..
مضى الفارس صلاح ونسي وترك دمعة على عين كل مدينة وبيدر وقافلة تهاجر في سبيل الضياء والمطلق.
مضى ونسي والخيل مسرجة والعدو واجف والدرب طويل.. وهل هنالك صرخة ولوعة أعمق من لوعتنا حين نفتقد فارساً في زمان عز فيه الفرسان وهان فيه للأسف الانسان.
مضى وبقي الشرف المعتق والخلق الوعر والصبر الجميل.
(4)
في يوم ما سيعود دكتور جبريل وعبد الواحد ومني أركوي وعرمان وعقار والحلو
يوماً سيعود الجميع رغبة أو رهبة أو وطنية
أو عقلانية
أو رهقاً
ولكن الذي نخشاه من تلك الأرض المحروقة أن تنجب ذات المأساة والملهاة أبطالها من جديد ويستمر عواء الساقية الملعونة.
(5)
أتصل بي أحد الأصدقاء من الذين عرفوا بسعة الاطلاع والمداومة على القراءة الجادة.. وقال عبر الهاتف حزيناً هل تصدق يا حسين أنني لم أكمل كتاباً منذ ثلاثة أشهر وكنت قبلها أقرأ في كل أسبوع كتاباً من الوزن الثقيل
لقد مات كل ذلك في هذا الزمن الثقيل الذي أصبح كله محصوراً في قفة الملاح التي قتلت كل الليالي الملاح
ظللت أستمع في حزن للرجل حزناً لم يكسره إلا طلبه فقد قال لي ساخراً سخرية دامعة
(ليس لي أي طلب يا حسين إلا أن تبحث لي عن ظرفاء الجامعة الذين تبددوا ليعيدوا تسجيلي في جمعية الجهل النشط)
وضحكنا حتى الثمالة
أو بالأحرى بكينا فهذه أيام تشابهت فيها مفردة التضاد
وتضادت فيها مفردات التلاقي
(6)
لو قدر للمريخ أن يرسل برقية للأخ ود القبائل والحيشان الثلاثة والأفراح الحزينة والأحزان الفرحة جمال الوالي تعليقاً على الاستقالة المزلزلة لقال
(عزيزي جمال لقد أنكفأت الأمسيات والصباحات باستقالتك المفاجئة.. ولكن يكفينا من الصبر مقولة الكبار المعتقين
نعم لقد استقلت نعم ولكن عزاؤنا أن النجيمات البعيدة لا تستقيل.
(7)
ولقد نصبنا الشراك من جديد في الصحف والإذاعات والشاشات لخديعة الملايين من جديد زاعمين
(بأن خروج الهلال والمريخ من المنافسة الأفريقية ليس نهاية العالم)
نفعل ذلك لكي نعيدهم لشباك التذاكر لكي نمارس إمتيازاتنا الصغيرة..
صحيح أن هزيمتهم ليست نهاية العالم
ولكنها نهاية كل القيم العصية في ملاحقة الأخطاء والهزائم والجهالة وشح النفس في هذا الوسط الرياضي (المنهوب) نهاراً جهاراً.
(8)
كثيرون هم الذين تأخروا أو تباطأوا عن شرف أو معركة أو دور فظلوا في كل زمانهم يبكون هذه العثرة ومن الذين استوقفوا الزمان والمكان بشعرهم الفاجع الشاعر المجاهد عبيد الله بن الحر الذي ذهب مسارعاً ولكن فات الأوان فقد قتل الحسين في كربلاء فبكى بقية الدماء وأجساد الشهداء
ومصارع القوم فاستغفر لهم هو وأصحابه ثم مضى حتى نزل المدائن وقال في ذلك كما يروي الطبري وشيخ الإسلام ابن تيمية:
يقول اميـر غـادر حــق غـادر
الا كنـت قاتلت الحسين بن فاطمـه
فيـا نـدمي ألا اكــون نصـرتـه
الا كـل نـفس لا تسـدد نـادمـه
وانـي لاني لم اكـن مــن حماتـه
لـذو حسـرة مـا ان تفارق لازمه
سقـى الله ارواح الـذيـن تـآزروا
علـى نصـره سقيا من الغيث دائمه
وقـفت علـى أجـداثهـم ومجالـهم
فكاد الحشـى ينقض والعين ساجمه
(9)
يمكن أن نصدق أن الجامعة الأهلية قد أفلست نتاج لسفه في صرف واستثمار مدخراتها..
ولكننا لن نصدق بأن الافلاس قد وصل لدرجة إيقاف الدراسة والامتحانات بالهواتف لأن أساتذتدها قد يئسوا حتى من حق الفطور وتذاكر المواصلات العامة
(نعم أساتذتها) ولم يأت الحديث عن حال الطلاب المساكين بعد.. ودعنا نختمها بهمسة يا أهل السودان إن هذه الجامعة لدورها واسمها لا تستحق قلة الإحترام في موائد اللئام ولا حتى في موائد الكرام.
(10)
جيلنا هذا لا يفكر في الذي فعله بالوطن ولا بالذي فعله الوطن به لكنه يفكر في إخفاقاته والجيل القادم الذي نخشى أن يقتلع الأعداء الوطن (من فرق أيديهو) ولا يملك غير قولة الغافل بالغفلة التي بدأناها نحن
(تبكي على وطن بكاء النساء.. وطن لم تصنه صيانة الرجال).