لابد أن أكون متفائلاً بالحوار وإذا وصلت مرحلة التشاؤم فسوف أصمت
أخشى على الحوار من قصيري النظر سواء في المعارضة أو الحكومة
الوعود التي وردت في خطاب الرئيس جيدة ولكن العبرة في التطبيق
الجلسة الافتتاحية عززت الانقسام والاستقطاب وهو أحد الأدواء السياسية
خطاب الرئيس جيد وحوى وعوداً لكن لا نستطيع أن نؤكد نيابة عن أهلها بأنها ستكون حقيقية
الملتقى التحضيري يمكن أن يجبر الكسور التي نتجت عن إجراء الجلسة الافتتاحية بشكلها الحالي
الجلسة الافتتاحية للحوار هي ختام لمرحلة خاصة بالمؤتمر الوطني
من يقول إن الترابي يخطط لبناء النظام الخالف من خلال الحوار يلزمه الدليل
أسرج رئيس حركة الإصلاح الآن الدكتور غازي صلاح الدين خيول الأمل بانصلاح حال الحوار الوطني، وأكد بأن المنطق والواقع السياسي يفرضان عليه أن يكون متفائلاً، حتى بعدما تحرك قطار الحوار الوطني من مربع التحضير، بغير اشتهاءات وأماني أكثرية الأحزاب السياسية والتشكيلات العسكرية.. صلاح الدين يرى أن فلاح الحوار ونجاحه رهين بالتحضير الجيد، وتحديدًا بإجراء الملتقى التحضيري في العاصمة أديس أبابا وزاد: “الملتقى التحضيري يمكن أن يجبر الكسور التي نتجت عن إجراء الجلسة الافتتاحية بشكلها الحالي”.. العتباني يقول إنه لابد أن يكون متفائلاً بالحوار وإذا وصلت مرحلة التشاؤم فسوف أصمت”. ولكن مع ذلك أظهر رئيس حركة الإصلاح الآن خوفاً على الحوار ممن أسماهم قصيري النظر سواء في المعارضة أو الحكومة. ولفت إلى أن الوعود التي وردت في خطاب الرئيس جيدة ولكن العبرة في التطبيق لأنها قيلت قبل ذلك. وأضاف: “خطاب الرئيس جيد وحوى وعودًا لكن لا نستطيع أن نؤكد نيابة عن أهلها بأنها ستكون حقيقة”.
ــ ابتداء، كيف تنظر لقيام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني، خاصة في ظل مقاطعة قوى سياسية وعسكرية فاعلة؟
نحن نبهنا من قبل إلى انه لكي تُلبي الجلسة تطلعات القوى السياسية والشعب السوداني، كان ينيغي أن تكون بتدبير وترتيب أفضل من ذلك، ولكنها قامت على شروط أصحابها، وهي كما ترى غاب عنها الكثير. وهذا في نظرنا يعزز الانقسام السياسي وهو واحد من الأدواء السياسية، وكان ينبغي أن نتجنب ذلك. على كل حال هذا اللقاء أو هذا الاجتماع، في تقديري حلقة خاتمة لمسار كان يمضي على نحو ما تريد الحكومة. والمهم الآن كيف ننظر إلى المستقبل، وهذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة حصيفة ومحكمة، لأن الالتزام العام لدى كل القوى السياسية بحتمية ومركزية الحل السلمي للمشكلة عبر الحوار الوطني ما يزال قائم. وفي هذا قدر من التطمين على أنه إذا سلك الساسة المسالك الصحيحة فيمكن أن يتوصلوا إلى حلول لمشاكل البلاد.
ــ كيف تنظر إلى اصرار المؤتمر الوطني على قيام الحوار وفقًا للطريقة التي ظهرت في الجلسة الافتتاحية؟
ينبغي أن يكون المؤتمر الوطني قد تعلم ضرورة عدم الانفراد بالرأي. لأن الذين دعموا فكرة الحوار الوطني وإتاحة الحريات انطلقوا من إيمان عميق وراسخ بأن المشكلات يمكن أن تُحل من خلال الحوار السلمي، ولكن الانفراد بالرأي لا يعين على ذلك، بل يؤدي بالضرورة الى الاستقطاب، والاستقطاب يؤدي الى التصرف بغضب ولا مسؤولية، وقد يصل إلى المواجهة المسلحة، فكان ينبغي أن نقطع الطريق على الاستقطاب من خلال منهجية تصبر على الآخر، وتسعى إلى الشراكة معه، بدلاً من تسجيل النقاط عليه، وبدلاً من محاولة إحراجه بمواقف كأنها فرض للأمر الواقع.
ــ هل تقصد أن الحوار الوطني الحالي قائم على رؤية إقصائية انفرادية؟
اللقاء الافتتاحي حوى شيئا من ذلك. وكان لدى الكثيرين فرض أمر واقع، وكان يمكن أن يكون شاملاً وجامعاً، والفكرة من الحوار هي أن تحاور خصومك السياسيين، لا أن تحاور حلفاءك السياسيين. صحيح ربما تنسق أو تتناقش معهم لكن ليس أن تحاورهم. لأن المحاورة في أساسها مقصود بها الطرف الآخر العصي الذي قد يبلغ معك درجة العداوة، وإذا غاب هذا عن الحوار، يجب تغيير معنى الكلمة.
ــ المؤتمر الوطني يتحدث عن أنه تمكن من إقناع أبو القاسم إمام وهو قائد إحدى الحركات المسلحة الفاعلة للمشاركة في الحوار؟
أنا أعرف الاخ أبو القاسم وأحترمه جداً، ولكن المجموعة التي يمكن أن تنسب إليها المواجهة مع الحكومة هي معروفة بأسمائها وهي موجودة في أماكن معروفة. وما أريد أن أقوله إنه يمكن أن تعطي انطباعاً بأنك احتويت كل القوى المسلحة، ولكن هذا انطباع غير صحيح. والذي يجب أن نسعى إليه هو أن نستوعب كل القوى التي نحتاجها لتأسيس إجماع وطني بصورة جادة. وأي التفاف حول هذا المبدأ، أو محاولة إيهام الرأي العام بأن هناك إجماعاً فهو سلوك غير صحيح وغير مجدٍ وضار بعملية الحوار.
ــ كيف تنظر إلى خطاب الرئيس البشير في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني؟
الخطاب في جملته، حوى إيجابيات وإعلانات وخطوطاً سياسية ظلت المطالبة بها قائمة من كل القوى السياسية، ولكن الوعود والأقوال لابد أن تصدقها الأفعال. وسنرى في مقبل الأيام ما إذا كان هذا الوعد جديرًا بالثقة، لأنه في مرات سابقة كانت هناك وعود شبيهة وحدثت تصرفات مناقضة لتلك الوعود. وأرجو أن يكون الناس أكثر صدقًا والتزاماً بما يقبلون به وبما يفرضونه على أنفسهم من حدود وتكاليف، لأن هذا سيؤدي إلى زيادة رصيد الثقة. وأنا لاحظت من خلال اتصالاتي وعملي السياسي أن أكبر أزمة تواجه السودان، وتواجه قضية الحوار، هي أزمة الثقة بين الحكومة والفصائل السياسية الأخرى. وينبغي أن نعزز من رصيد الثقة بأقوالنا ومواقفنا. وأنا متأكد من أن مشكلات السودان التي نعرفها جميعاً، قابلة للحل إذا توفرت نية صادقة وجهود مليئة بالثقة.
ــ الخطاب أطلق سراح العمل السياسي، وسمح بحرية العمل الحزبي، فكيف تنظر لهذا؟
نحن قلنا مرارًا وتكرارًا أن ما حواه القرار 158 أنه أخذ باليسار ما منحه باليمين. والنتيجة العملية أننا في حركة الإصلاح الآن قدمنا مرات عديدة طلباً لعقد ندوات سياسية في مناطق لا تشكل خطراً على الحكومة، وقدمنا طلبًا لعمل سياسي في الأحياء وتم رفض الطلب، مع أننا لم نكن ننوي إقامة ندوة أمام القصر الجمهوري. وهذا تخوّف غير مبرر لأن القانون – إذا كان نحترمه – يتيح للأحزاب قيام الندوات السياسية، ويتيح لها قيام المسيرات السلمية. لكن الآن لا تستطيع الحصول على مسيرة سلمية، والحكومة فقط هي التي تُسيِّر المسيرات السلمية حسب مزاجها، ولذلك الاستخفاف بالدستور والقانون الذي منح هذه الحريات، ليس من شأنه أن يعزز الممارسة السياسية السلمية، وينبغي أن نعززها بإعطاء الحريات والحقوق التي يمنحها الدستور بلا قيد. وأنا استغربت جدًا عندما قرأت هذا النص، وأنا أعلم أنه في حالات معينة يمكن أن تقيّد التعبير. وليس من مصلحة أي نظام سياسي أو دولة أو مجتمع سياسي أن يتحاكم الى وثائق كالدستور والقوانين ويخالفها، خاصة أننا نسعى لتأسيس دولة القانون. وأولى الجهات باحترام القانون هي الدولة نفسها.
ــ بصورة مباشرة ما الشيء الموجب أو الإيجابي الذي تضمنه خطاب الرئيس ويمكن أن تراهن عليه القوى السياسية؟
الخطاب حوى وعوداً، ونحن لا نستطيع أن نؤكد نيابة عن أهلها بأنها ستكون وعوداً حقيقة. ونحن نتمنى أن تكون حقيقية من صميم قلبنا. لأنه ليس لدينا فائدة أو مصلحة ولن نكون سعداء إذا فشلت الحكومة في الحوار. ونحن حريصون على أن ننجح جميعنا في إعادة تاسيس بنية السياسة السودانية، وإطلاق مشروع سوداني ملهم، نتوافق عليه جميعنا للخلاص من الواقع الذي نعيشه الآن، وهذا يتطلب صدقية عالية. ولا نستطيع كقوى سياسية أن ندعي أننا نطلق مشروعاً تجديدياً للسياسة السودانية والشعب لا يثق في كلمتنا. وتأسيس المصداقية ضروري جداً، وبالتالي فإن الوعود ينبغي أن تتحول إلى واقع علمي.
ــ البعض يرى أن موقفكم مربك ومرتبك، فقد باركتم خطاب الرئيس، مع أنكم ترفضون المشاركة في الحوار؟
دعني أقول لك إن الوعود التي وردت في خطاب الرئيس جيدة، ولكن العبرة في التطبيق لأنها وردت وقيلت قبل ذلك.
ــ هل تلاشت فكرة المؤتمر التحضيري في أديس أبابا، بعد أن بارح قطار الحوار من مربع التحضير؟
لا.. بالعكس تماماً. والمؤتمر التحضيري لم يسقط، لأن الأولوية القصوى بالنسبة للراغبين في الحوار، سواء أكانت الحكومة أو الأحزاب التي شاركت أو التي قاطعت، هو أولاً السعي نحو وقف إطلاق النار. وهذه أولية قصوى وهذا ليس بعيداً عن ما سلكته الحكومة، لأن الرئيس أصدر مرسومًا جمهورياً بوقف إطلاق النار. نحن نقول إن الخطوة المنطقية التالية هي أن تتوافق الحكومة والحركات المسحلة على التفاوض من أجل وقف إطلاق النار. وهذا سيغير المناخ السياسي السوداني تماماً داخلياً وخارجياً، والأولوية الثانية هي اللقاء التحضيري، وهو لقاء وليس حواراً. وللأسف الشديد هناك من الساسة من يروج إلى أن ما تنادي به وثيقة الآلية الأفريقية هو نقل الحوار إلى خارج السودان، وهذا لم يرد إطلاقاً، وكل القوى السياسية والعسكرية ترى أن مصلحتها أن يكون الحوار داخل السودان.
ــ عفواً.. الحكومة ترى أنه ما من جدوى للمؤتمر التحضيري؟
المؤتمر التحضيري مهم جداً، لأن بعض القوى السياسية والعسكرية تقول إنها لم تشارك في المؤتمر ولم تضع أجندته ولم تختر شخصياته، وتقول إنه ما من ضامن للدخول إلى السودان للمشاركة. وبالتالي فالملتقى التحضيري ضرورة وبدونه لن نمضي إلى الأمام لأن مسار الحوار الحالي مسار داخلي، وهو حوار بين فئات أصلاً متقاربة، ولا توجد بينها خصومة بالمعنى. والآن هناك أولوية لوقف إطلاق النار فوراً، خاصة عقب المرسوم الجمهوري. وهذا يعني أن الرئيس جاد في وقف إطلاق النار. ولا نرى سبباً لتعطل هذه الخطوة. والملتقى التحضيري يمكن أن يجبر الكسور التي نتجت عن إجراء الجلسة الافتتاحية بشكلها الحالي.
ــ البعض يرى أن المؤتمر الوطني مصاب بفوبيا الجغرافيا، فهو يرفض الجلوس مع الأطراف المسلحة في أديس ويأتي ويفعل ذات الشيء في انجمينا؟
ينبغي أن نكون واضحين في أننا جميعاً نؤيد الحوار السوداني بأيدٍ سودانية وعقول سودانية، وأن هذا مطلبنا جميعاً. ونحن متفقون جميعاً كقوى سياسية ولا أرى جهة تشذ عن هذا الإجماع. ولذلك الخطوة المنطقية المفضية إلى هذا الحوار الوطني السوداني السوداني هي اللقاء التحضيري. وأنا لا أرى لماذا يتم تعقيد الأمور بهذه الصورة، من بعض قادة الحكومة الذين يقولون إن الملتقى التحضيري سيقود لنقل القضية السودانية للمحافل الخارجية، ونحن ضد تدويل القضية السودانية وضد نقلها إلى الخارج وضد نقلها للأمم المتحدة وضد استخدام الفصل السابع، وضد العقوبات وننادي برفعها الآن الآن. ولكن إيهام الناس بأن الملتقى التحضيري يعمل على نقل الحوار إلى خارج السودان تدليس وليس أخلاقياً، لأن من يقول ذلك يعلم في قرارة نفسه أنه لا يقول الحق. ولماذا هذا التعقيد للمسائل والحكومة نفسها تذهب إلى أديس أبابا لتتفاوض في قضية جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتذهب إلى تشاد وإلى الدوحة لمواصلة الحوار مع أبناء دارفور.
ــ أليس من الوارد أن المؤتمر الوطني يخشى من القوى الرافضة للحوار على اعتبار أن بها بعض المفكرين مثل الصادق المهدي والدكتور غازي صلاح الدين، وتظاهرهما حركات مسلحة؟
نحن موقفنا في هذا الأمر ثابت وواضح، وقلنا ليس لدينا قوة عسكرية ولا نؤمن بالعمل العسكري، ونؤمن بالعمل السياسي. وبالتالي إذا كان وصفك لنا وللسيد الصادق المهدي بأننا مفكرون، وأننا خبراء في السياسة وأن لدينا امكانات فلنبذلها من أجل الوطن، ونحن مستعدون لذلك. أنا لا أرى عقدة هنا أو ضررًا.
ــ هناك من يشير لتحالف غير مكتوب بينكم والحركات المسلحة أو قوى نداء السودان؟
ليس لدينا تحالف، لا مكتوب ولا غير مكتوب، نحن نسعى من خلال رصيد الثقة بيننا ومن خلال معرفتنا بهم، إلى حلحلة المشاكل السودانية، وهذا ما أدى بنا إلى اتفاق 5 سبتمبر 2014م، وهذا يعني أننا نتحرك بإيجابية عالية جدًا في هذه الساحة ومكتسباتنا هي مكتسبات الشعب السوداني. والحل النهائي والمستدام لمشكلات السودان هو أن يقوم فيه نظام سياسي طبيعي، لا نلجأ فيه للسلاح من ناحية ولا سلطان ونفوذ الدولة من ناحية أخرى لتحقيق الغلبة السياسية. النظام السياسي الطبيعي هو الذي تتساوى فيه الحظوظ والفرص أمام الجميع، وفيه انتخابات حرة تؤدي إلى تداول سلمي للسلطة وهذا ما نطلبه. وكلما اقتربنا من هذا اقتربنا من الحلول التي تجعل السودان بلداً محترماً ومؤثراً تأثيراً إيجابياً في محيطه المباشر، وكلما ابتعدنا عن المسار الطبيعي من خلال القتال والاحتراب وتوظيف موارد الدولة لمصلحة جماعة دون غيرها سنظل في هذا المستنقع ولن نخرج منه.
ــ قلت قبل ذلك إنك لمست روحاً وطنية ناهضة لدى قادة الجبهة الثورية من أجل تسوية الأزمة، فهل يمكن أن تتأثر معنوياتهم السياسية بعد انطلاق الحوار على نحو ما يريد الحزب الحاكم؟
أعتقد أنهم على ذات الطريقة في التفكير، وهم عمليون. أنا لم اتصل بأحد منهم وربما أتصل بهم في الأيام القادمة لمعرفة تقييمهم لما جرى. ولكن من خلال لقاءاتي معهم سابقاً أرجح أن الكثيرين يتعاملون مع الجلسة الافتتاحية على أساس أنها ختام لمرحلة خاصة بالمؤتمر الوطني والحكومة السودانية.
ـ البعض توقع أن ينتهي الحوار في شكله الحالي إلى نشوء جسم واحد يقابل الجسم الذي تقفون فيه، تمهيداً لبدء الحوار بالصورة التي تنادون بها؟
إذا حدث هذا فسوف يكون أكبر خطأ، لأن هذا الاستقطاب ما ننهى عنه. نحن لسنا حريصين على الاستقطاب. بل قلنا لن نشارك في الجلسة الافتتاحية لأنها ستكرس للاستقطاب. وإذا كانت الحكومة تسعى إلى العزل والإقصاء بحيث يؤدي هذا إلى تكوّن جسم غريب على الساحة وعلى أخلاق الساحة السياسية، فهذا خطأها، وهذا ما ينبغي أن تتجنبه. نحن نتحدث عن حوار وطني شامل. إذا كان الحوار الوطني مبتغاه وقصده هو تأسيس وحدة وطنية جديدة، فهل يعقل أن يسعى إلى تكريس انقسام جديد؟! هذا نفاق سياسي، لذلك أنا لا أتصور ان هناك عاقلاً في الحكومة أو المعارضة يسعى من أجل نهاية انقسامية، وهذا عدم مسؤولية سياسية.
ــ ما المطلوب في هذه الحالة تحديداً؟
ينبغي في المرحلة التي تحتاج إلى تكريس الوحدة والصف الداخلي، هي أن نطرح مشروعًا سياسيًا مشتركًا بيننا جميعاً. أنا كنت أتمنى لو أن الحوار تم تقييده بمطلب سياسي ملهم، بأن نسعى جميعنا لتأسيس بنية سياسية ومشروع سياسي وطني جديد من خلال حوار وطني. هذا يعطينا إحساساً بالمكسب، غض النظر أين كنا. نحن نريد أن نصل الى وضع تشعر فيه الحكومة أنها قد كسبت وتشعر فيه المعارضة بأنها قد كسبت. وهذا مطلب عسير، ولذلك نحن نعاظل من أجل ضبط المسار بدقة شديدة لأننا نسير في حقول ألغام يمكن أن تنفجر فيك إذا وطأت الموطئ الخطأ، ولكن نريد في الحقيقة أن نكون كاسبين جميعنا.
ــ لكن هل يمكن حدوث تسوية في ظل هذا العدد الكبير من الأحزاب وهناك من يرى أنها عائق أمام التوافق السياسي؟
في وضع سياسي طبيعي، لن تجد هذه الأحزاب الكثيرة، ولا هذه القدرة على التكاثر والتناسل، والطبيعي أن تكون هناك كتل وتيارات سياسية تتشكل في صورة أحزاب. أنا أتصور أننا لو أردنا أن ستوعب كل الاتجاهات السياسية في السودان، قد نحتاج إلى خمس أو ست كتل سياسية. وجزء من الإصلاح السياسي الذي ندعو له، هو إصلاح الحركة السياسية نفسها وليس إصلاح الدولة أو الحكومة فقط. ولذلك نحن نقول إن الإصلاح ليس تغيير الحكومة بحكومة أو شكل الدولة بشكل آخر. ولا بد للطبقة السياسية أن تزدهر لأنه منوط بها القيام بهذا الدور وأن تبرز أفضل ما لديها في المرحلة القادمة من أجل بناء سياسي واعٍ يؤدي إلى نظام حكم راشد.
ــ البعض يتخوف من أن الترابي يخطط أو يدشن فعلياً للنظام الخالف، من خلال الحوار في شكله الحالي؟
أنا لا أحكم على نوايا الترابي، لكن من يقول ذلك يلزمه الدليل. لأنني ما سمعت من الترابي أنه يريد أن يوظف الحوار لبناء النظام الخالف.
ــ مشاركة أبو القاسم إمام في الحوار هل هي خطوة لتفكيك الجبهة الثورية، خاصة أن الحكومة درجت على تفتيت الكيانات السياسية والعسكرية؟
الحكومة متهمة بأنها تسعى لتقسيم الحركات، وهذا خطأ. وما تحتاجه الحكومة حتى لمصلحتها الذاتية هو ان تنأى عن مثل هذه الأساليب، لأن هناك أزمات اقتصادية وأمنية. وهناك مشكلة حتى في فتح خطابات الاعتماد وهناك مشكلة علاقات خارجية وهناك أزمة حرب، وبالتالي فإن قضية الانقسام السياسي هي ضد المصلحة العامة. وأنا لا أرى حكمة لمن يسعى في هذه الظروف إلى شق الصف الوطني.
ــ بصورة مباشرة، ما المطلوب لكي ينجح الحوار بعد أن تكشّفت الكثير من المواقف؟
المطلوب التوافق على إجراء الحوار بالطريقة القائمة على جهد مشترك بين الحكومة والأحزاب.
ــ وما هي الوسائل القائدة لإجراء الحوار بالجهد المشترك؟
الابتعاد عن التردد وجرجرة الأقدام في اتخاذ خطوات تدعم الحوار وتحقق نتائجه. وهنا ينبغي أن نشير الى المسافة الفاصلة بين خطاب السابع والعشرين من يناير، وخطاب أبريل 2014م، كبيرة جداً، وتعكس التباطؤ والتردد الذي تتعامل به الحكومة التي ظلت تجرجر أقدامها في ما يلي مطلوبات واستحقاقات الحوار التي وافقت عليها بنفسها من خلال خارطة الطريق. وهذا أدى الى بطء النتائج. ولكن رغم ذلك أنا أقول لك إن الفرصة ما تزال قائمة وسانحة، إذا رغبت الحكومة في حوار حقيقي جدي. لأن الخصوم السياسيين لم يجتمعوا في تاريخهم على فكرة الحوار بمثلما هم عليه الآن.
ــ ما الذي أو من الذي أو من الذين تخشى على الحوار منهم؟
أنا أخشى على الحوار من قصيري النظر فقط.. إن كان في المعارضة أو الحكومة. وأنا لا أسمي شخصاً بعينه على الرغم من أن لدي حسن ظن في بعض الناس، وسوء ظن في البعض الآخر. ولكن أنا مستعد لأن أعطي الجميع فرصاً متساوية. لكن لابد أن يكون لدينا وضوح رؤية للنقطة النهائية التي نريد أن نصل إليها، وهي سودان واحد موحد في جبهة داخلية متماسكة مستعد للانطلاق والازدهار من خلال نظام سياسي فاعل وراشد.
ــ هل أنت متفائل أم متشائم من الحوار الوطني بعد التدشين الذي تتحفظون عليه؟
لابد أن أكون متفائلاً، وفي اللحظة التي أصل فيها إلى مرحلة التشاؤم ينبغي ألا أتحدث معك كما أتحدث الآن.
حوار: يوسف الجلال – تصوير: محمد نور محكر
صحيفة الصيحة