ماذا تريد المعارضة، وماذا تريد الحركات المسلحة حتى تشارك في الحوار السوداني؟ لقد طرح رئيس الجمهورية في فاتحة انطلاقة الحوار عدداً من الطمينات للرافضين، على رأسها إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ما لم يكونوا مطلوبين في قضية جنائية وإفساح المجال لكل الأحزاب السياسية لممارسة نشاطها في كل ربوع البلاد دون قيد أو شرط أو دون اعتراض من أية جهة أخرى، ومنح حرية الصحافة، وهذا أعتقد أنه حسن نوايا من الحكومة ومن المؤتمر الوطني لكل أبناء الشعب السوداني بالداخل والخارج.
الأحزاب تريد أن تكون قريبة لمنسوبيها، وها هي الحكومة تعطيها الفرصة لممارسة نشاطها السياسي داخل دورها أو خارجها، فعلى الأقل يكون هناك امتحان للحكومة ومدى صدقها فيما تقول، ولتجرب الأحزاب السياسية ممارسة نشاطها إن كان ذلك في الميادين العامة أو دخل دورها إن كانت لها دور، فإذا تصدت الأجهزة الأمنية أو الشرطة وقامت بعرقلة تلك الندوات أو ذاك النشاط تصبح المعارضة على حق والحكومة كاذبة، وإذا لم تعترض الأجهزة الأمنية ولا الشرطة ولم تتعد على النشاط السياسي الذي تقوم به الأحزاب السياسية تكون الحكومة صادقة والمعارضة كاذبة، لذا لا بد من حسن النية لنخرج بالبلاد إلى بر الأمان.. أما إذا أرادت المعارضة أن تزيل الحكومة نهائياً فهذه مسألة ثانية، ومن حق الحكومة أن تدافع عن نفسها، ومن حق المعارضة أن تقوم بما تريد إذا كانت لها القدرة على ذلك.. أما إذا أرادت المعارضة قيام حكومة قومية بديلة للحكومة القائمة وفق رؤية يتم الاتفاق عليها إذا وافق الجميع، فعلى الحكومة أن تبدي أيضاً حسن النية وتصل بالمعارضين إلى ما يريدون طالما تربعت على العرش (26) عاماً ولن يضيرها شيء طالما أنها تثق في منسوبيها وحلفائها.. فماذا تفعل المعارضة وهي قلة مقارنة مع حكومة تمددت في كل ولايات السودان وأصبح لها أنصار، ولها مال وفير تستطيع أن تفعل ما تريد؟!
فالحوار المطروح حالياً هو محاولة لإبداء حسن النوايا، وما قدم من خلاله يفترض أن يدفع الكثيرين إلى الجلوس على المائدة وطرح رؤاهم بالطريقة التي تساعد وتساهم في حل مشاكل السودان المعقدة بدلاً عن الصراع والمقاطعة.. فالحوار الذي تستمر أعماله لثلاثة أيام تقريباً بالتأكيد سيتوصل المؤتمرون فيه إلى رؤية بها قدر من الجدية، أما المقاطعون فهذا خيارهم فإما أن يصمدوا عليه وإما أن يأتوا برؤية أخرى أو أن يطرحوا قضاياهم بطريقة أكثر شفافية وأكثر عقلانية، بدلاً عن الضبابية التي لا تزيد النار إلا اشتعالاً.. نأمل أن تحكّم المعارضة والحركات المسلحة صوت العقل، ولم تبق في العمر بقية للتعنت.