رغم عزوف ورفض بعض القوى السياسية المعارضة المشاركة في الحوار الوطني الذي انطلق صبيحة أمس(السبت) بقاعة الصداقة بالخرطوم بعد تأخر اعتقد المراقبون أنه استمر لعامين، إلا أن المناخ التفاؤلي الذي حرصت الحكومة أن تسبغه على أجواء الحوار تسرب هو الآخر إلى الشارع السوداني الذي أبدى بعض ممن استطلعتهم (المجهر) نظرتهم إلى الحوار كونه آخر الآمال التي سوف يتعلقون بها للخروج بالبلاد من أزماتها المتناسلة، بل إن أحلام البعض أخذتهم بعيداً بقولهم إن نجاح الحوار من شأنه أن ينقل البلاد إلى مقارعة الدول الكبرى اقتصادياً.
الحوار الوطني الذي يشارك فيه حزب المؤتمر الشعبي بزعامة “حسن الترابي” والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بزعامة “محمد عثمان الميرغني”، بينما يقاطعه حزب الأمة القومي بزعامة “الصادق المهدي” والحزب الشيوعي وحركة الإصلاح الآن بزعامة “غازي صلاح الدين” وبعض الحركات المسلحة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، يرى مراقبون أنه من الممكن أن يتيح المجال للقضايا الأساسية والحريات العامة والصحفية والدستور والسلام.
تلك القضايا وغيرها حتماً سوف يتم نقاشها عبر الغرف المغلقة ولكن بالجانب الآخر فإن المعنيين حقاً بأي حوار سياسي أو وطني هم عامة الناس من الشعب السوداني الذي استطلعت (المجهر) بعضهم. ورغم اتفاقهم على إعلاء قيمة الحوار كمكون رئيسي في عملية الانتقال الإيجابي لغد أفضل، إلا أن جدوى الحوار الحالي مضى بعضهم إلى ربطه بعدة اشتراطات رأوا أنها ضرورة لإنجاحه.
*بياض النية
بخطوات تدب في تثاقل بائن ينقل بصره بين إحدى الصحف اليومية التي كانت في يده ويتصدرها خبر الحوار وبين الشارع العام، بدا أن العم الستيني “الباقر أبو القاسم عبد الله” كمن ينتظر سانحة مواتية يفرغ فيها بعض أحلامه القادمات، عندما سألناه عن توقعاته لمآلات الحوار الوطني، رد باقتضاب: يجب على الإنسان أن يكون متفائلاً، ثم أردف: هذا العمل كبير جداً وأغلب السودانيين يضعون آمالاً كبيرة على نجاح هذا الحوار بسبب المعاناة الكبيرة التي عاشوها خلال السنوات الماضية، وبسبب التشرذم وعدم الثقة والحرب التي تدور في أنحاء متفرقة من البلاد، معرباً عن أمكله في ذات الوقت بأن يلتحق المتخلفون عن ركب الحوار، وأرسل العم “الباقر” في خاتمة حديثه رسائل إلى قادة الحكومة والحركات المسلحة والمعارضة، داعياً إياهم بأن (يبيضو النية) حتى يصلوا إلى علاج ناجع لمشاكل السودان. وأضاف: (لو البلد دي مشاكلها اتحلت في (5) سنوات ماح نكون سائلين في أمريكا ذاتها)، معتبراً أن قضايا البلاد ساهلة وحلها ساهل أيضاً). وذات الأمر اتفق فيه معه “محمد الطيب حامد” من مدينة الفاشر الذي أكد أن الحوار من ضرورات الحياة وبه سوف يستقيم الأمر في السودان في حال تم الأمر بنجاح. وأردف: نجاح الحوار هو نجاح لكل السودان ونسأل الله أن يتحقق لنا السلام الدائم في كل ربوع البلد الحبيب، ونحن نتطلع أن تكون الخرطوم (محور ارتكاز أفريقيا).
مطلوبات وأمنيات
إن كانت اللهجة التفاؤلية التي ميزت غالبية المستطلعين هي الغالبة في أحاديث الشارع السوداني، إلا أن ثمة مطلوبات يرى كثيرون ضرورة توفرها لكي يصل الحوار إلى نهاياته المرجوة. فقد أكد “منير آدم” من ولاية الجزيرة أن صفاء النية للمتحاورين يعد من أهم الأشياء التي يجب توافرها لخروج البلاد من عنق أزمتها، بالإضافة إلى الجدية اللازمة للتغيير. وأردف منير في حديثه لـ(المجهر): هنالك بعض الشخصيات التي تحظى بشعبية واسعة في الشارع منها “تراجي مصطفى” و”ندى القلعة” التي ساهمت دون قصد بالترويج للحوار في أوساط الناس، فيما تجزم السيدة “هيام أحمد حمور” – ربة منزل- أن وضع خارطة طريق وإجماع القوى السياسية وإعادة نداء الوطن لمن لم يشارك في الحوار تمثل خطوطاً أساسية لإنجاح الحوار الوطني، مؤكدة أن عدم توافق كل الأطراف لن يحل القضية ولكن سوف يساهم في استقطاب حاد قد تكون آثاره أسوأ من سابقتها.
وقطع “أيمن الرشيد” الذي يعمل موظفاً في وزارة التربية والتعليم أن منطق القوة والحلول العسكرية لن تحل أي مشكلة في السودان، مبيناً أن الحوار هو السبيل الأمثل.
وبعد..
تسعون يوماً هي الوقت المحدد للوصول إلى وضع خطط وخطوط عريضة لعلاج مشاكل السودان في الاقتصاد والسلام والدستور والهوية والحكم، وهي قضايا قومية ظلت مستعصية على أغلب النخب السودانية التي حكمت البلاد..تسعون يوماً عدها كثير من المراقبين بمثابة الفرصة الأخيرة للوصول ولو إلى حد أدنى من الاتفاق حولها…تتدحرج الآن الكرة صوب ملعب الحكومة التي يمكن أن تدير حواراً مفتوحاً مع كل القوى السياسية، وإقناع الأخرى الرافضة وهي مهلة ليست قصيرة بحسابات الأيام، ولكنها ضيقة للغاية بحسابات ظرفيتها وتأثيرها على مصير الشعوب.
المجهر السياسي