استوقفني عدد من زملاء المهنة وشبابها, من أبنائنا وبناتنا داخل القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة أمس,- كل على حدة- وهم يستطلعون رأيي ضمن آخرين حول (الحوار الوطني) الذي بدأت أو بالأحرى انطلقت أولى جلساته صباح أمس بقاعة الصداقة, وقد إعتذرت للزملاء والزميلات الكرام عن التحدث حول الحوار ونتائجه المتوقعة, وقلت لهم إنني صحفي وكاتب رأي وتستضيفني بعض القنوات الفضائية لتحليل بعض الأحداث وما وراء تلك الأحداث, لذلك الأجدى والأجدر أن يتجهوا نحو القيادات السياسية المتحالفة مع المؤتمر الوطني أو المعارضة للنظام الحاكم, وإلى الرموز الاجتماعية والثقافية التي قد لا تجد من الفرص المتاحة, ما يجده الصحفيون الذين يكتبون آراءهم أو يطلقونها على الهواء مباشرة من خلال وسائل الإعلام الأخرى المختلفة, وقد أمن على رأيي هذا ووافقني عليه, صديقي وزميلي المحترم الأستاذ محمد الفاتح أحمد, رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم) الذي شهد معي موقفاً لما سبق أن أشرت إليه.
أحد الزملاء من أبنائنا الشباب طرح عليّ سؤالاً (متحدياً) وقال لي: (يعني بكرة ح تكتب رأيك..؟.. خلاص ح ننتظر ونشوف), لذلك وجدتُ نفسي أكتب هذا الرأي مدفوعاً بسببين الأول هو مشاركتي بالحضور والمتابعة لجلسات الحوار الوطني, والثاني هو إيفائي بعهد (لم) أقطعه لأولئك الشباب لكنهم الزموني به للتعليق والتعقيب على ما جرى.
كان لمشاركة السيد الرئيس (إدريس ديبي) دلالة خاصة ومعنى عظيم في هذا الحوار السوداني, على اعتبار أن علاقات الداخل الوطني لها تأثيراتها على علاقات الجوار, وأثرها المباشر على ما يجري في الإقليم, خاصة في الجوانب الأمنية, والجوانب الاجتماعية, وتشاد تعتبر أفضل نموذج لذلك الأمر.
ثم.. الوجود العربي الممثل في مشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية له أيضاً دلالاته ومعانيه, وإعترافه بجدية الخطوة لأن المبادر بها الحكومة ولا أحد غيرها, وهذا أمر مهم في التأكيد على الجدية, وفتح أبواب الأمل واسعة أمام أبناء السودان لتفهم نظام الحكم للنتائج الكارثية الناتجة عن الحرب والقتال وما يترتب على ذلك من أزمات تطال الجميع, ولا تستثني أحداً.
وهناك مشاركة بعض الإخوة من قيادات الحركات المسلحة, وهذا يعني أن هناك (بعض) الثقة قد نشأ بين المتخاصمين, وهو ما قد يدفع بآخرين للإلتحاق بالحوار في أيَّة مرحلة من مراحله المتقدمة, رغم المقاطعة المعلنة من بعض القوى السياسية المعارضة, ورغم المفاجأة أو المفاجآت المتمثلة في مقاطعة قوى سياسية كانت جزءاً من آلية الحوار, مثل مجموعات (الاصلاح الآن) و(حزب الأمة القومي) و(اتحاد قوى الأمة) و(منبر السلام العادل) ومن حالف هؤلاء في تحالف القوى الوطنية.
هناك شد وجذب, قد يكون غير ظاهر أو غير معلن, لكنه محسوس, وهناك تآمر لإفشال هذا العمل الكبير الذي قد لا يكون مرضياً عنه من قبل نافذين حتى داخل منظومة الحكم, مثلما له معارضين ومناؤين من داخل منظومة المعارضة.
ما حدث بالأمس سيشكل فرصاً تاريخية لتوحيد الإسلاميين, وعودة قياداتهم الخارجة عن منظومة الحكم تلك إلى الصف الذي يجمع المتحالفين بما في ذلك عدد من أحزاب الأمة والحزب الاتحادي الأصل والاتحادي المسجل وجماعة أنصار السنة المحمدية وغيرها, لتشكيل (جبهة وطنية) جديدة.. وهي فرصة لأن يلمع نجم الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي في سماء الفعل السياسي من جديد.
ما حدث بالأمس يتيح فرصة للسيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير لإجراء أيَّة تعديلات في نظام الحكم تتماشى مع برنامج إصلاح الدولة الذي بدأ تفعيله وتطبيقه فعلياً من خلال برامج الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي, وسيقود إلى إصلاح قانوني أكيد خلال فترة لن تزيد على الثلاثة أشهر وفق تقديراتنا هي الفترة المتاحة لعملية الحوار الوطني, وسيكون فرصة لإقصاء كل من طاقم شبهات الفساد واستبدالهم بآخرين مع تفعيل مبدأ الحراك والتغيير في الوظائف العامة دون تجديد أو تمديد وهو ما يمكن أن نسميه بـ(الإنقلاب الأبيض) والهاديء على الفساد والمفسدين, يمهد لاشراك الآخرين في وضع أسس دستورية جديدة لحكم البلاد أعظمها وأثمنها (الحريات).
وقد كان يوم الأمس مشهوداً وصفق المئات داخل القاعة الرئاسية عندما أعلن رئيس الجمهورية رئيس لجنة الحوار الوطني عن إطلاق الحريات وحرية الصحافة وإطلاق سراح المعتقلين وحرية العمل السياسي, وهذه هي الخطوة التي تبدأ بعدها خطوات وخطوات في مسيرة طويلة.. من المؤكد أن الآخرين سيلتحقون بها إن صدقت النوايا.
والله من وراء القصد