نص خطاب رئيس الجمهورية أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني

خاطب المشير عمر البشير رئيس الجمهورية صباح السبت بقاعة الصداقة بالخرطوم الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني.
وفيما يلي تورد ( سونا) نص الخطاب:-
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة سعادة رئيس الجمهورية أمام مؤتمر الحوار الوطني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين وخاتم النبيين والمرسلين . الحمد لله المنزل في محكم تنزيله (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) والمنزل في كتابه الحكيم ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ونحمده تعالى أن جمع شملنا في هذا المكان لنتواصى على البر والتقوى وعلى العمل بما يرضى.
أما بعد
الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني، الأخوة والأخوات الضيوف الأفاضل الأكارم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لكم تلبيتكم لهذه الدعوة للحوار الوطني إن دلالة استجابتكم فهي تمثل الروح الوطنية والمسؤولية التي تقود السياسة في السودان .ولقد أوشك كثيرون ان يستيئسوا من وفاقٍ يلتئم به شمل السواد الأعظم من أهل السودان من بعد فرقة وشتات . فتناهى الثقة بين الفرقاء وتطاول النزاع بين المتقاتلين المتحاربين كاد أن يطفئ قبس التفاؤل بأن أهل السودان سيعودون إلى سنتهم في نسيان ما يفرقهم عندما يحزُب الأمر ويقتضى رص الصفوف في وجه ما يهدد وحدة الوطن واستقراره وسلامة أهله الطيبين الكرماء . وأما أولئكم الذين لما يأتوا بعد فنحن لم ولن نغلق الباب من دونهم. فمهما تباعدت الشُقة واختلفت الآراء وأشتجرت فأبوابنا مفتوحة غير مؤصدة وأيادينا مبسوطة غير مقبوضة فهم لا يزالون من أبناء السودان الذين نرجو أن لا يسبق عليهم كتاب الانعزال عن الوطن وإيثار الاقتتال على الحوار والجدال . ومثلما نشكر من حضر من أبناء السودان ونرتقب من لم يحضر فإننا نشكر أشقاءنا في الاتحاد الأفريقي الذين ناصروا فكرة الحوار التي دعونا إليها فرحبوا بها وعملوا على إنجاحها وأخص من بينهم الآلية الإفريقية رفيعة المستوى التي يرأسها فخامة الرئيس ثابو أمبيكى ونشكره على جهده وحسن نيته تجاه السودان . كما نشكر أشقاءنا في العالم العربي والإسلامي الذين بذلوا غاية الوسع لتحقيق السلام والمصالحة في السودان على رأسهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودولتا قطر وتشاد لما بذلتا وتبذلان من جهود لترسيخ السلام في السودان. كذلك نشكر أصدقاء السودان وشركاء السلام الذين رعوا مسيرة السلام وسعوا إلى تحقيق المصالحة الوطنية ونحن اليوم نقطف بعض غراس تلكم الجهود المباركة بإذن الله. لقد دار حديث طويل وسجال ممتد حول دعوتنا لحوارٍ يتوحد به الصف الوطني وتتهيأ به البلاد لنهضة ووثبة إلى الأمام في كل الاتجاهات وكل المجالات. وقد أحسن الظن بالدعوة غالب القوى السياسية وأساء الظن بها من كان مُعتادهم إساءة الظن بكل ما تفعل الحكومة أو تترك .
ولكننا نلج اليوم إلى ساحة الحوار الوطني الحر ويحتشد في ساحته السواد الأعظم من الفاعلين في السياسة وفى شتى شؤون المجتمع. ونحمد الله ان هدانا لهذا ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. هدانا أن نجتمع لا أن نفترق وأن نتفق لا ان نتشاقق ونتنازع . وأنا قياماً بمسؤوليتى التاريخية التي جعلتني في قيادة هذا البلد واستشعارا للفرصة التاريخية التي أتاحت هذه السانحة المباركة للحوار والاتفاق والوفاق وأؤكد لكم أن كل ما سوف نتوافق عليه في هذا الحوار الوطني الجامع هو بمثابة الأمر المقضي باذن الله وتوفيقه وتسديده. فنحن لم نجتمع لأجل الكلام بل اجتمعنا لأجل الوئام ولن نفوت هذه الفرصة التاريخية على شعبنا أبدا.
وأنا إذ أتوجه إليكم بهذه الكلمات افتتاحاً للتشاور حول قضايا الحوار الست المتفق عليها في خارطة الطريق أناشدكم جميعا بمختلف أحزابكم وتنظيماتكم المجتمعية ان تسعوا بجد للتوصل إلى تحديدات متفق عليها تجعل الحوار مخلصاً ومنتجاً ومتفق على ما يترتب عليه.
لقد تعلقت رجاءات شعبنا وتأهبت توقعاته لمآلات هذا الحوار مما يستدعى منا الصدق في القول والإخلاص في النوايا فالرائدُ الزعيمُ لا يكُذب أهله. وقمين بنا أن نعلى أجندة الوطن فوق العصبيات الحزبية والجهوية وحظوظ الأنفس الصغيرة. مفهومنا للحوار أنه إنما جاء استجابة لتوقعات شعبنا منا جميعا حكومة وأحزاباً فعاليات مجتمعية أن ننهض للإصلاح الشامل بغير تقاعس. وأن نتحمل مسئولية صنع المستقبل لبلدنا العزيز بغير تهاون. وهى مسئولية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات . ولأجل ذلك فإنني أجدد الدعوة مرة من بعد مرة لاؤلئكم المتشككين وأؤلئكم الذين قصرت بهم الخطى عن الاستجابة لدعوة الحوار أن يلحقوا بنا . فنحن نحب أن نرى أبناء السودان سوادُهم الأعظم ان لم يكن جميعهم يتحلقون حول هذه المائدة الواحدة استجابة لإرادة ورغبة هذا الشعب الأصيل .
الأخوة والأخوات
نجتمع اليوم لنصوغ الرؤية المستقبلية للسودان من خلال التداول في موضوعات الحوار وهى موضوعات تتداخل ويؤثر بها في البعض الآخر. فالحديث عن السلام لابد أن يفضى إلى ترابط أهل السودان في وجه المهددات والتحديات ، والحديث عن النظام السياسي يسوق للحديث عن الحقوق والحريات والواجبات كذلك فان الحديث عن الهوية حديث عن تنوع أهل السودان في أعراقهم وثقافاتهم وسحناتهم وألوانهم تنوعا مؤتلفا لا مختلفا ومتكاملا لا متبايناً به يحققون اتحادهم الوطني وتلاحمهم في وجه الشدائد والمكائد . والحديث عن الاقتصاد ومعاش الناس هو ما يجب ان يكون مناط اهتمام كل نظام سياسي ، والحديث عن الشؤون الخارجية حديث عن تواصل أمتنا مع سائر الأمم الأخرى بما يصون سيادتها ويحفظ مصالحها ويعزز أدوارها على جميع الأصعدة العالمية.
الأخوة والأخوات
أغتنم السانحة لأكرر لكم رغبتنا الصادقة وحرصنا الأكيد على العمل المستمر لتوفير المناخ الملائم لإنجاح هذا الحوار فقد أصدرنا مرسومين جمهوريين بوقف أطلاق النار وإيقاف العدائيات وقد جرى تنفيذ المرسوم بالفعل على ارض الواقع ونحن نعلن رغبتنا إذا أظهر الطرف الآخر التزاما صادقا بوقف العدائيات أن نعمل على تمديد هذا الوقف للعدائيات بل أن نمضى به ليكون وقفا دائما لإطلاق النار إن جنح الآخرون للسلم وآبوا إلى ساحة الوطن محاورين وشركاء في صنع المستقبل الأفضل للسودان وأهله.
كذلك أجدد التوجيه للسلطات المختصة في الولايات والمحليات في مختلف أرجاء السودان بتمكين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من ممارسة نشاطها السياسي السلمي الذي يرفد هذا الحوار ولا ينقضه وذلك بلا تدخل ولا قيد لذلكم النشاط.
كذلك نوجه الأجهزة الإعلامية والمنابر الصحفية أن تعمل على تعزيز حرية التعبير بما يمكن المواطنين من المساهمة في إنجاح الحوار الوطني بلا قيد سوى ما يجب ان تلتزم به تلكم الأجهزة والمنابر من أعراف المهنة وآدابها ونصوص القانون وكريم أخلاق السودانيين النبيلة .
كذلك نذكر ونؤكد أننا وجهنا بإطلاق سراح أي موقوف سياسي لم تثبت عليه بعد التحقيق تهمة جناية في الحق العام أو الخاص. وأن هذا الأمر هو واقع الحال إلا من أرتكب جرما يحاسب عليه القانون ففي هذه الحال سيواجه القضاء ومؤسسات العدالة التي يتوجب عليها ان تعلو بسلطان القانون فوق رؤوس الجميع ، كذلك لا زلنا نؤكد الاستعداد والالتزام بتمكين الحركات المتمردة حاملة السلاح من المشاركة في هذا الحوار الجامع متى ما قررت المجئ إليه ونتعهد بإعطائها الضمانات المناسبة والكافية للحضور والمشاركة، والعودة متى ما رأت ذلك .
التحية باسمكم جميعا للإخوان الذين لبوا النداء من حملة السلاح الأخ أبو القاسم إمام رئيس حركة تحرير السودان (الثورة الثانية ),الأخ الطاهر حجر رئيس حركة التحرير والعدالة , والأخ محمدين إسماعيل عبد الله بشر حركة تحرير السودان ,نشكرهم على تلبية الدعوة والمشاركة في هذا الحوار.

الإخوة والأخوات
إن هذا المؤتمر هو صنيع أياديكم جميعا فأنتم الذين بلغتم به هذا المبلغ عبر جهود لجنة السبعة زائد سبعة وعبر جهود الأمانة العامة ولجان الحوار المجتمعي . وانتم من ستمضون به إلى غاياته المنشودة بإذن الله دون تدخل من أيما جهة رسمية أو حكومية أو حزبية إلا من خلال ما تراضيتم عليه من ترتيبات وتدابير في خارطة الطريق وما تبعها من نظم وإجراءات تراضيتم عليها . ونحن لا نرغب في التدخل حتى ان كان ذلك متاحا لأننا نرغب في رؤية وفاق حقيقي ليس بالمصطنع ولا بالمختلق فالوفاق الحقيقي هو وحده الذي سوف يعبر عن اجتماع الكلمة وتوفيق الآراء والمواقف وهو وحده ما سوف يشكل الضمانة لإنجاح هذا المؤتمر. ولأن مخرجات هذا الحوار هي المنصة التي سوف ننطلق من تلقائها لتأسيس نظامنا الدستوري والسياسي الذي يولى ماضي الفرقة والشتات ظهره ويستقبل بوجهه مستقبلا واعدا زاهرا لهذا الوطن الذي هو حقيق بالرفعة والتقدم والعلو بين الأمم
نسأل الله أن يقود خطاكم وخطانا لما يحقق ذلك كله والأمر من قبل ومن بعد لله رب العالمين، فالحمد لله أولاً وآخرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخرطوم 10-10-2015م(سونا)

Exit mobile version