حتى الأمس القريب كان تعبير “الحرب العالمية الثالثة” لا يستخدم إلا في قصص خيالية عن حرب محتمل حدوثها، بيد أن ثعلب السياسة الأمريكية المخضرم هنري كيسنجر “بشّر” العالم باقتراب أوان حرب عالمية لوّاحة لا تبقي ولا تزر.
وقال كيسنجر لصحيفة “ديلي سكيب” الأمريكية:”إنّ نُذُر الحرب العالمية الثالثة بدت في الأفق وطرفاها هم الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى”.
وإن صحت توقعات وتحليلات الرجل صاحب التاريخ الطويل والتجربة الثرة في دروب السياسة العالمية لأكثر من 45 عاما، فإن أهوالا ودمارا شاملا سيعم العالم ولكن ليس العالم الأول (أوروبا والولايات المتحدة) بالضرورة بل سيكون مسرحها الشرق الأوسط وجواره.. وإن أجمع الناس على أن ضخامة وفظاعة خسائر الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) كان بسبب التطور التكنولوجي، فإن هذه الحرب ستبلغ معاناتها عنان السماء ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصور حجم دمارها، إذ التطور التكنولوجي اليوم لا يقارن بالتطور قبل أكثر من 70 عاما. ومواصفات الحرب العالمية أنها تؤثر على معظم دول العالم وتمتد إلى عدة قارات وتستمر لعدة سنوات.
البعض يتساءل عن سبب توقيت تصريحات كيسنجر البالغ من العمر 89 عامًا، فالرجل بالتأكيد لا يحتاج لإثارة الفرقعات الإعلامية فهو شهير ومعروف حتى درجة التشبع، كما أنه ليس في حاجة للدريهمات التي تدفعها وسائل الإعلام للشخصيات الكبيرة التي تخصها بسبق صحفي مقارنة بثروته الكبيرة.. فإن استبعدنا ذلك كله، فهل ذلك يعني أن الرجل يتحرك في سياق استراتيجي أمريكي قومي؟ وما هي الرسالة المرادة؟ وما الجهة المقصودة بها الرسالة؟. ما يعضد السياق الدعائي لتصريحات كيسنجر لصالح الولايات المتحدة وليس التحليل الموضوعي، قول الرجل: “ستكون الحرب شديدة القسوة بحيث لا يخرج منها سوى منتصر واحد هو الولايات المتحدة”.. وقوله أيضا: “ومن ركام الحرب، سيتمّ بناء قوة عظمى وحيدة قوية صلبة منتصرة هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم. ولا تنسوا أنّ الولايات المتحدة تملك أكبر ترسانة سلاح في العالم، لا يعرف عنها الآخرون شيئًا، وسوف نقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب”.
بدون تصريحات كيسنجر وسواء كانت دعائية أو مستندة إلى أحداث ووقائع موضوعية، فإن الاستعداد للحرب واتقاء شرورها ديدن الدول الحصيفة وذات النظرة الإستراتيجية البعيدة. وفي ظل سيادة مبدأ البقاء للأقوى وسحق الضعيف، ماذا أعددنا نحن هنا شعوب وحكومات هذا الجزء من العالم سيما وأن المؤشرات تؤكد أن أنه سيكون مسرحا وميدانا للقوى المتصارعة بل إن الصراع أصلا حول ثروات المنطقة ومميزاتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية. فضلا عن أن الحرب ستمول بموارد وثروات المنطقة. يقول كيسنجر: “إنّ الدوائر السياسية والإستراتيجية الأمريكية طلبت من العسكريين احتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية خصوصًا النفط والغاز، مؤكداً أنّ السيطرة على البترول هي الطريق للسيطرة على الدول، أما السيطرة على الغذاء فهي السبيل للسيطرة على الشعوب”.
وإن وضعنا الولايات المتحدة وأوروبا في جانب، سنجد في جانب آخر أن الصين عزّزت من قدراتها العسكرية وكذلك روسيا التي يبدو أنها تجاوزت صدمة انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وحتى القوى الإقليمية الأخرى مثل إيران وتركيا وإسرائيل لديها قدر من الاستعداد أو على الأقل القيام بأدوار لصالح الكبار.
والأمر المقلق أن واشنطن حسب كيسنجر، تربط صراعها مع الصين وروسيا وانتصارها عليهما بشن إسرائيل حربًا جديدة بكل ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب. والنتيجة حسب تصوره أن نصف الشرق الأوسط على الأقل سيصبح إسرائيليا، وستصبح المهمة الملقاة على الجيش الأمريكي وحلفائه الغربيين لدخول حرب عالمية ثالثة بعد ذلك سهلة لمواجهة روسيا والصين.
لقد وقعت كل من الحربين العالميتين الأولى والثانية، بعيدا عن نطاق هذه المنطقة العربية. فالأولى نشبت بين القوى الأوروبية في 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر من عام 1918. وقدرت خسائرها بمقتل أكثر من 9 ملايين جندي. واحتشد أكثر من 70 مليون من العسكريين من بينهم 60 مليون من الأوروبيين للمشاركة في تلك الحرب.
أما الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) فكانت نزاعا دوليا بدأ في أوروبا بين حلفين رئيسيين هما قوات الحلفاء ودول المحور. ووضعت الدول الرئيسية كافة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي، وشارك فيها أكثر من 100 مليون جندي، وتسببت بمقتل ما بين 50 إلى 85 مليون شخص ما بين مدنيين وعسكريين، أي ما يعادل 2.5% من سكان العالم في تلك الفترة.
ومعلوم أن كيسنجر ذو الأصول اليهودية خدم خلال فترة الحرب العالمية الثانية في الجيش الأمريكي، وحصل في العام 1943 على الجنسية الأمريكية. ومن أقواله: “الأمة الإسلامية تنام ولكن لا تموت ومتى ما استيقظت أعادت في سنوات ما سلب منها في قرون”. فمتى نستيقظ ونفيق؟