حزين حزين حزين أنا والله أن اضطر إلى الغياب عن المحفل الذي لطالما انتظرناه مخرجاً لأزمة وطننا الصبور.. حزين أن أغيب وقد كنت أمنّي النفس أن يلتئم شمل أبناء السودان جميعاً اليوم ليبدأوا رحلة التعافي والعلاج والانطلاق إلى مرحلة جديدة نستدبر بها خلفنا نفق الاحتقان السياسي والاحتراب والاضطراب لندخل نادي الدول التي ثابت إلى حضن الحكم الراشد الذي يتراضى فيه الناس جميعاً إلى الخيار الديمقراطي بعيداً عن طغيان السلاح الذي أحال حياتنا إلى جحيم ومرغ أنف وطننا في هجير الاحتراب والمسغبة والتخلف وجعلها أحاديث يلوكها العالم أجمع اشفاقًا أو تهكماً.
بيان تحالف القوى الوطنية الذي نحن -منبر السلام العادل- جزء منه والذي تجدونه قرائي الكرام في الصفحة الثانية من هذه الصحيفة، يكشف لماذا لم نُشارك في اجتماع اليوم وهو بيان شافٍ لن يجد من يقرؤه بتمعن ما يقدح في قرار عدم المشاركة.
كنا في منبر السلام العادل مع أحزاب قليلة أخرى من التحالف قد قررنا حضور الجمعية العمومية الماضية في العشرين من أغسطس معذرة إلى ربنا وتمديداً لحبل الصبر المحمود عند ربنا وخوفاً من بديل مخيف وتنازلاً من أجل مبادئ آمنّا بها وإقامة للحجة وتسجيلاً للمزيد من الأهداف في مرمى المؤتمر الوطني والأحزاب التابعة له.. فوجئ الجميع بحضورنا وعندما قدّم كمال عمر تقرير الأداء عن الفترة منذ الاجتماع الماضي أسقط في أيديهم عندما رددنا على زعمهم بأن كل مطلوبات تهيئة المناخ المنصوص عليها في خارطة الطريق قد استجيب لها.. لم يتوقعوا رداً لأنهم ما كانوا يظنون أننا سنحضر لنعقّب ونكذّب تقريرهم ونؤكد أن الحريات لم تُطلق وحرية التعبير لم تُتَح والرقابة القبلية والبعدية للصحافة لم تلغ.. كانت الصيحة وقتها خاضعة لرقابة قبلية امتدت لأشهر عديدة.. أعجب ألا يشعر كمال عمر وشيخه وصحبه في آلية السبعة الضرار وسبعة الوطني بالحرج، فإن يخرق العهد فتلك خطيئة كبرى أما أن يدلّس على الناس فهذه لا تُليق بطفل صغير ناهيك عن أناس يقدمون أنفسهم لقيادة البلاد.
كثير من الممارسات غير الأخلاقية ظلت تمارسها آلية سبعة الضرار بقيادة كمال عمر وبعلم الترابي شيخ المشروع الحضاري ولن أحصي تلك الممارسات بما في ذلك الانقلاب على آلية المعارضة الحقيقية التي أنجزت خارطة الطريق واتفاق أديس أبابا وخوض معارك آلية السبعة الحكومية بدليل تولي كمال عمر النطق باسم السبعتين بل وتلاوة بيان أو تقرير الأداء خلال انعقاد الجمعية العمومية المنصرم بما يعني أن الشعبي أضحى ملكياً أكثر من الملك مغامراً بمستقبله السياسي وبسمعته وبمشروعه بدون مقابل معلوم إلا ما يعلمه الله رب العالمين وما ينطوي عليه أو يضمره الشيخ (الحمدو في بطنو) وربك يستر من رجل المفاجآت من لدن مسرحية القصر رئيساً والسجن حبيساً!
لو استطلعت آراء كل حضور اجتماع اليوم بمن فيهم ناس الحكومة والمعارضة (المزعومة) حول ما أقدمت عليه السلطات الأمنية وهي تمنع اثنين من قيادات المعارضة من السفر قبل أسبوع واحد من التآم اجتماعهم اليوم وهي التي تعلن على رؤوس الأشهاد أنها قدمت الضمانات لقيادات الحركات المسلحة وإلى الصادق المهدي بأنها ستمكنهم من العودة إلى منافيهم إن لم يتوصلوا إلى اتفاق.. لو فعلت ذلك لما وجدت من لم يستغرب ويدهش لما أقدمت عليه السلطات من تضييق على الحريات والسفر في وقت كانت تبذل الجهد وتكثف المساعي لإقناع المهدي وقادة الحركات المتمردة للحضور والمشاركة في الحوار .
لم ننتظم في الحوار إلا بهدف أن يكون شاملاً يعبر بالسودان إلى طور جديد يوقف الحرب ويحقق التراضي الوطني والمسار الديمقراطي والحكم الراشد، وكان بمقدور الحكومة أن تهيئ المناخ لتحقيق تلك الغاية، ولكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد.
بدلاً من أن ينتظم الحوار اليوم بحضور من لم ينضموا إلى مائدته عند انعقاده قبل ما يقرب من عامين غاب من حضروا أول مرة ممن سهروا وبذلوا في سبيل أن يكون شاملاً فيا أسفاه.. كذلك غاب الاتحاد الإفريقي ممثلاً في ثابو أمبيكي الذي بدلاً من أن يستصحب حتى يعيننا في الإتيان بالغائبين من المحاربين أغضب واستعدي ورفضت الحكومة الحوار التحضيري الذي دعا له بدون مبررات موضوعية سيما وأن تاريخنا محتشد قديماً وحديثاً بحوارات ومفاوضات الخارج، وبات أمبيكي ومجلس سلمه وأمنه الأفريقي يهدد ويتوعد باستدعاء مجلس الأمن الدولي ليزيد من أوجاعنا مع ما يُسمى بالمجتمع الدولي بقيادة أمريكا المتحرشة بنا على الدوام.. كنا نريد للحوار أن يفضي إلى انتقال سلمي يمكّن من التطبيع مع عالم يضيِّق الخناق علينا ويشدد الحصار الاقتصادي والسياسي ولكن !
رغم كل ذلك فإننا نمد أيدينا بيضاء من غير سوء، بل سنبذل نحن في منبر السلام العادل وفي تحالف القوى الوطنية في سبيل إصلاح ما اعوج من مسار الحوار اتصالاً بالداخل والخارج حتى يصبح الحوار شاملاً وعندها سننخرط فيه سعياً إلى تحقيق غاياته الكبرى حتى ينزل بردًا وسلاماً وبركة على هذه البلاد المأزومة وعلى شعبها الصابر المحتسب.