يروي رجل اعمال معروف انه احتاج الى شراء قطع غيار لمصنع صغير من دولة تركيا الشقيقة جداً..بعد تعابير) يفتح الله يستر الله ) تم الاتفاق على مبلغ مئتي الف دولار كقيمة للمطلوبات الحيوية..البنك الاول والثاني والثالث يعتذر عن تحويل المبلغ الى تركيا بحجة العقوبات المفروضة على بلدنا..ورجل الاعمال لا ييأس حتى يجد مصرفا له وسائله في تحويل المبلغ..الاشتراط الاول كان تقسيم المبلغ الى اقساط دون الخمسين ألفا من الدولارات ..اكثر من ستة اشهر ولم تكتمل عملية التحويل المصرفي..بعد الدفعيات علقت في الطريق والأخرى ارتدت الى مصدرها
لم استغرب من المعلومات الجريئة التي كشفها صلاح محمد الحسن وزير التجارة ..حسب مؤشرات النصف الاول فقدت بلدنا نصف صادراتها ..في الستة اشهر الاولى من العام الماضي صدرت بلدنا نحو ثلاثة مليار ونصف دولار..ام في العام الجاري لم تتعدي صادراتنا في ذات الفترة (١.٨) مليار دولار..السودان فقد ٨٥٪ من صادرات البترول وذلك بسبب الحرب في الجنوب بالاضافة لانخفاض اسعار النفط..صادراتنا غير البترولية والمعدنية نقصت بنحو ١٢٪..حتى الذهب ورغم ارتفاع إنتاجه الا ان عائداته انخفضت من (٨١٥ ) مليون دولار الى نصف ذاك المبلغ وذلك في ذات فترة المقارنة المحددة بالستة اشهر الاولى في العام.
في البداية يظهر الخلل الى اننا بنينا حساباتنا في الموازنة السابقة على استقرار الأحوال في حنوب السودان وبالتالي تدفق عائدات رسوم استخدام خط الأنابيب السوداني..لكن ذلك لم يحدث بسبب انفجار الأحداث والذي لم يكن مفاجئا..حتى انخفاض اسعار النفط الذي انحدر من سقف المائة دولار للبرميل الى مادون الخمسين دولار كان أمرا متوقعا..السؤال ماذا فعلت الخرطوم لتحاشي انفجار الأوضاع في الجنوب وهل استخدمت ما في وسعها للضغط على الفرقاء حتى تحافظ على مصالحها..اغلب المراقبين يعتقدون ان الخرطوم لم تتعامل مع الأوضاع في جنوب السودان وفق تخطيط استراتيجي وبعد نظر سياسي..غلبت حكومتنا الملفات الامنية وسادت روح الشماتة في تعاملها مع الجار الجنب فكان الخراب الاقتصادي.
قبل اشهر كان رئيس الجمهورية يوجه من داخل اجتماع لمجلس الوزراء بضرورة خفض الإنفاق وتقليل الواردات ..صحب ذلك توجيه رئاسي باستخدام سيارات جياد التي يتم تجميعها بالخرطوم..قبل ان يجف مداد التوجيه السيادي كان طلاب الحزب الحاكم يتخلصون من السيارات السودانية ويستوردون سيارات كورلا جديدة (على الزيرو) كما يقول السماسرة في دلالة العربات..افترضنا ان اولئك طلاب قليلي خبرة وناقصي كياسة..آباؤهم في البرلمان استوردوا في الأسابيع الماضية عربات دفع رباعي من اليابان..لم تكن تلك السيارة الاولى لشاغلي المناصب القيادية في البرلمان..بل سيارة إضافية منحت لهم حتى لا تقل مخصصاتهم عن رصفائهم من الوزراء.. هل في هذا رشد سياسي..كيف تطلب الحكومة من المواطنين شد الأحزمة على البطون وحكامنا يتنافسون على الدنيا ولا ينسون نصيبهم من السيارات الفارهة.
في تقديري ..ان الكارثة القادمة لن تكون في فشل الحوار الوطني..الكارثة اننا نستورد ضعف ماننتج.. الطامة ان العالم أقفل في وجهنا جميع مصارف التعامل..دول شقيقة تبتسم في وجوه مسؤولينا ولكنها لم تقدم من المساعدات المالية الا النذر القليل..دول نقف معها في السراء والضراء وبنوكها محرمة على السودانيين ..المشكلة ان الأزمة تتفاقم والحكومة في نوم عميق.
بصراحة ..التحدي الماثل امام اقتصادنا يتمثل في فتح آفاق التعاون مع العالم..اقتصادنا في حاجة ملحة الى استثمارات اجنبية تساعد في اعادة ترجيح ميزان المدفوعات..اخشى الا تكون حكومتنا قادرة على فعل اي شيء غير انتظار الاقدار الاقتصادية مع الدعوة لشد الأحزمة على بُطُون الفقراء الخاوية.