موقف مصر من الغارات الروسية.. قلة وفاء

أخطر ما في هذه الغارات الروسية على سوريا، وفي توقيتها ومباغتتها للساحة الإقليمية المضطربة أمنياً، أنها ضربت وحدة الموقف الاستراتيجي العربي الذي عبر عن نفسه بشكل منسجم في تجربة عاصفة الحزم في اليمن .
روسيا قامت بخطوة محسوبة بدقة.. خطوة واحدة فقط نجحت بها في تشتيت وتفريق هذا الموقف الموحد وهي الداعم المهم لنظام بشار الأسد والحليف المعروف لإيران مما يعني أن الموقف العربي والخليجي منها هو موقف بديهي ولا يحتاج لتفكير في تحديده.. الغارات مرفوضة خليجياً.. هذا واضح .
لكن الغريب أن تلك الغارات الروسية المتواصلة في المناطق السورية أفلحت في إنجاز مهمتها وهدفها المحدد أعلاه، هدف تشتيت وحدة الموقف العربي والخليجي تجاهها، وقد بدا ذلك من واقع التباين بين موقف مصر والأردن المؤيد لتلك الغارات مقابل الموقف الخليجي الذي تقوده السعودية وتقف معها قطر والبحرين في رفض تلك الغارات الروسية واعتبارها استهدافا لقوى وفصائل المعارضة السورية وحماية لبشار الأسد .
وهذا الموقف هو الأقرب إلى الحقيقة من ذلك الموقف الآخر الغريب الذي اتخذته مصر برغم علمها بأنه يتقاطع مع توجهات وأمن أهم حليف لمصر في المنطقة وأهم داعم ومساند للسيسي في مواجهة المعارضة الإخوانية .
الخليج دفع أموالاً طائلة لمصر في مرحلة حساسة ودقيقة من عمر نظامها الحاكم نظام السيسي الذي كان يحتاج إلى من يسنده ويساعده في تمكين نفسه والوقوف على رجليه.. فما الذي يجعل مصر تخرج بهذا الموقف الذي كانت الظروف تملي عليها ولو من باب رد الجميل أن تقدم موقفاً منسجماً مع مواقف حلفائها..؟
وكذلك الحال في موقف الأردن المشابه لموقف مصر برغم حجم التحالفات الكبيرة والاستراتيجية بين الأردن ودول الخليج .
العدو واضح ومعروف، وموقف روسيا تجاه سوريا ليس موقفاً غامضاً بل هو موقف واضح ومتوقع لأن روسيا حليفة قوية وداعمة لنظام بشار ولكل توجهات المعسكر الإيراني وخططه وبرامجه في المنطقة سواء في سوريا أو في اليمن أو حتى في البحرين .
لكن وبهذه الطريقة ينجح الدب الروسي وبضربة واحدة فقط أن يسقط وحدة الموقف العربي ويطرحها أرضاً بهذه الخطوة التي تمت.
ما هي الأسباب التي تبرر للسيسي موقفه هذا؟، حتى لو تفهمنا أن زيارتي السيسي وملك الأردن لموسكو واجتماعهما مع بوتين كانتا قد أسستا لعلاقات ومصالح جديدة بينهما مع روسيا فهل من الممكن أن نتفهم أن تكون هذه العلاقات والمصالح على حساب علاقاتها ومصالحها الأكبر مع السعودية؟ يمكن أن نتفهم موقف مصر لو تحفظت أو التزمت الصمت لكنها ومنذ أول لحظة عبرت عن تأييدها للغارات الروسية دون مراعاة لما يعنيه هذا الموقف بالنسبة لأقرب وأهم حلفائها الإقليميين .
لو لم تجتهد مصر لمعالجة هذا التشابك والتباين والتقاطع بشكل مقنع فإن هذا يلصق على نظامها ديباجة أوصاف تاريخية غير حميدة أبسطها عدم الوفاء، وينتزع عنها الموثوقية كحليف يمكن التعويل عليه (إذا احتدم الوغى).

شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

Exit mobile version