ربما كانت مباراة الهلال وسموحة المصري، هي آخر مرة نشاهد فيها السيد الإمام الصادق المهدي بعد خروجه من أرض الوطن، كان حضور السيد المهدي يومئذ فأل خير للكرة السودانية والهلاليين بصورة خاصة، والهلال ينتزع التعادل الذي أهله إلى الولوج إلى المربع الأفريقي الذهبي، رأي بعضهم لحظتئذ كما لو أن الإمام يغازل الوطن عبر منشط وقطاع كرة القدم، على أن العودة لا محالة قد أوشكت، سيما في ظل بعض المعلومات التي تتدفق من الحين إلى الآخر والتي تتحدث عن (مراسيل) بين المؤتمر والمهدي، ثم عزز هذا المسعى بتصريح السيد الرئيس البشير الأخير، بأن الحكومة تقبل برؤية المهدي الأخيرة بشأن الحوار الوطني، لكن ولربما لأسباب (أدبية بحتة) تبعث الآن الحكومة رجلين بدرجة مساعد رئيس الجمهورية إلى القاهرة لوضع آخر الترتيبات لعودة السيد المهدي، هما السيد الباشمهندس إبراهيم محمود نائب رئيس الحزب مساعد رئيس الجمهورية، و(المهدي الابن) المساعد هو الآخر برئاسة الجمهورية !!
* فقبل خروج السيد الإمام الصادق المهدي كنا نعيش دراما الخروج بكل تفاصيلها المرهقة.. ولما خرج الرجل واستنفد كل تراجيديا الخروج والعواصم.. عدنا من جديد لفصل جديد قديم.. متى يعود السيد الصادق المهدي؟! فنحن، كصحافة وحكومة ومعارضة، في شأن السيد الإمام دائما على حالتين اثنتين.. تهتدون وترجعون.. إما أن الرجل داخل البلاد ومنغمس بكلياته في أنشطة الحكومة وتنتظر المعارضة في الضفة الأخرى خروجه!! وإما أنه سافر والتحق بالمعارضة وانغمس في أنشطتها وتنتظر الحكومة عودته!! الحكومة نفسها منتج كبير في هذه السوق الدرامية!! مرة هي من تقول إن الرجل المهدي لن يغفر له هذه المرة لارتكابه كبيرة وطنية!! الحكومة ذاتها التي لا تحتمل فراقه طويلا هي من تسعى لاستعادته الآن دون شرط أو قيد!! لتصبح هذه الدراما أعظم منتوجات السيد المهدي السياسية، وهو يتقن استخدامها بين سندان الحكومة ومطرقة المعارضة!! فإن لم يكن لك ما تغذي به الميديا.. فسافر تجد عوضا عمن تفارقهم وانصب فإن لذيذ العيش في النصب.. فالأسد لولا فراق الغاب ما افترست.. والسهم لولا فراق القوس لم يصب!!
* غير أننا في الوسط الصحفي من أكبر المروجين لهذه التجارة.. فبالبونط الأحمر الغاني نلون ثغر صحفنا بـ (خروج المهدي.. عودة الميرغني) !! وقديما قال أهلنا “البلقي هواهو يضري” ولا ذنب لنا يومئذ سوى أننا نبيع على مواجع الوطن مقالاتنا ونسوق صحفنا.
* فالذي لا تنتطح عليه عنزان هو أن السيد الإمام لامحالة غدا سيطرق بوابة كبار الزوار والمناضلين بمطار الخرطوم.. وستحتفل الحكومة بعودته ظاهراً ظافراً.. وسيطلق بعض رصاص تصريحات نارية باتجاه الحكومة لزوم العودة!! ستحزن المعارضة لبعض الوقت وسيخرج السيد ضياء الدين وربما علي السيد ببعض تصريحات غاضبة !! غير أن الذي يخبر كنه أزمتنا المتوارثة وتراجيديا سياسيينا.. يدرك أن القوم في الضفتين يعيدون إنتاج دراما (ساقية جحا تسوق وتسقي البحر).. على أن الشيء الوحيد الذي يحتاج إلى عودة واعتبار هو (الجنيه السوداني) الذي يتهاوى أمام الدولار، ومن ثم تتعقد حياة العامة!! ولا مؤتمر ولا بواكي له!!