بعد فترتي الطويلة في تنظيم داعش في سوريا وفي تنظيم جبهة النصرة راجعت أفكاري واكتشفت أن ما قمت به أكبر خطأ وذلك بهروبي من زوجي وانضمامي لـ(داعش) لأنني رأيت بأم عيني ما يحدث على أرض الواقع من فظائع، أيامي الأخيرة بجبهة النصرة عشت حالة من الرعب مع اقتراب أيام الزواج بالشخصية العربية التي اختارها لي أفراد جبهة النصرة، ولكن بالاتجاه الآخر تكثفت اتصالاتي بزوجي في السودان وأرسلت مع أحد المهربين أطفالي إليه وهذه المرة طلبت من نفس المهربين تهريبي أنا أيضاً، الا انهم طالبوا زوجي بمبالغ كبيرةه وزوجي لا يملك ذلك المبلغ ودخل معهم في مفاوضات وبعد أن تملكه اليأس كاد أن يلغي الفكرة، الا انهم تراجعوا في اللحظات الأخيرة، وتم تخفيض المبلغ، في نفس الوقت بدأ العد التنازلي لتزويجي من ذلك الشخص العربي، فأصبت بحالة من الخوف والاحباط لأنه لا مفر بعد الزواج، قبل ان يخبرني أحد المهربين بأن لحظة الهروب قد حانت، عندها تملكني الخوف كنت مرعوبة لذلك استعجلت المغادرة، وفي تلك الليلة غادرت المكان في الخفاء وسط الظلام الدامس، وأصوات دوي المدافع وفي نفطة معينة كان اللقاء بالأشخاص الذي سيقومون بتهريبي وإيصالي لآخرين كانوا ملثمين ومدججين بالسلاح توكلت على الله سبحانه وتعالى، وتوجهت معهم حيث امروني، مشينا طويلاً قبل ان تقلنا احدي السيارات المكشوفة لمنطقة قرب الحدود ليتسلمني آخرون لتبدأ رحلة اخرى، حيث قاموا بإيصالي حتى انطاكيا التي قضيت فيها عشرة أيام ففوجئت بعدد كبير من الهاربين الفارين من داعش، والنصرة من الرجال والنساء، كانوا موجودين هناك بذات المنطقة فتم ضبطهم وارجاعهم، إلا أنهم أطلقوا سراحي فسعدت لذلك كثيراً، ثم استقللنا بعدها الطيران وطفلي الصغير الى اسطنبول، بعدها شعرت بالأمان وكانني كنت في عالم غير عالمنا، وعند وصولي برفقة طفلتي كان في انتظارنا القنصل السوداني عبد الحق الذي استقبلني أحسن استقبال ثم قام بدفع غرامة كسر الفيز، وهي عبارة عن ألف ومائتي دولار وعبركم أشكره الشكر الجزيل على مجهوداته الجبارة التي قام بها معي وزوجي وأولادي بترتيب كل أموري، بعدها توجهنا وطفلي الصغير مباشرة إلى السودان.
طوال الرحلة من اسطنبول الى السودان كنت في حالة من التفكير العميق: كيف وصلت الى هناك؟ وماذا جنيت من هذا العذاب؟ وما هو مصير أبنائي؟ وكيف يعيشون دوني؟ وكيف يستطيع والدهم التوفيق ما بين العمل والوجود معهم؟ فهم صغار السن لا يقبلون بأي شخص آخر والكثير الكثير، انقطع التفكير بمجرد هبوط الطائرة على مدرج مطار الخرطوم، وما ان وطئت قدماي أرض المطار حتى تنفست الصعداء، ولكن بعدها تم اقتيادي من جهاز الأمن للتحقيق معي، وبالفعل رافقتهم وكنت اتوقع أن يتم تعذيبي ولكن حدث العكس تماماً، فقد عاملوني أحسن معاملة كما سمحوا لزوجي بتسليمه الطفل الصغير، ليكون بين اخوته ثم تم إطلاق سراحي بعد ثلاثة أسابيع من التحقيق.
في اليوم الذي قرر فيه إطلاق سراحي كانت كل مشاعري متجهة نحو أبنائي الذين فارقتهم طويلاً حتى أصبت ببعض الرهبة وأنا أقطع الطريق للوصول اليهم، وما ان اقتربت من المنزل حتى بدأ قلبي يخفق بصورة غير طبيعية فترجلت من على السيارة فكان صغاري وأهل زوجي جميعهم في الانتظار، فانهمرت دموعي قبل ان أحتضن أطفالي الذي عانوا بسببي وافتقدوني في وقت كانوا هم أحوج الى، ثم احتضنتهم وبكيت وبكيت، وكذلك هم ذرفوا دموعهم وأحتويتهم جميعاً ودعوت الله أن لا أفارقهم مرة اخرى مهما حدث.
بالنسبة لي وللكثيرين ممن كانوا هناك وعاد لهم صوابهم واكتشفوا الحقائق الصادمة بأنفسهم، وان داعش أكبر أكذوبة وهناك كثير من المهاجرين أصابهم الندم ويتمنون الرجوع إلا انهم أصبحوا تحت رحمتهم، وهناك من هم عالقون في الوقت الذي علمت فيه أن هناك أعداداً كبيرة من السودانيين الشباب من الجنسين قد تورطوا ووصلوا الى سوريا وهناك آخرون في الطريق في الوقت الذي قطع فيه الرئيس السوري بشار الأسد المؤن من داعش مضيقاً عليهم الخناق والحصار، وأصبحت المعيشة صعبة للغاية ووسائل الاتصالات يتم تشويشها عمداً لذلك أطلب من البقية التريث قبل الأقدام على مثل تلك الخطوة، وعبركم أقولها لقد ندمت شديد الندم لأنني لم اجد سوى عصابات تقتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق.
وأضافت دانا والدموع تترسب من عينها بين الفينة والاخرى: رسالتي للأسر السودانية التي انضم أبناءها الى داعش بضرورة متابعة أبنائهم من الغزو الفكري الديني المتشدد وعدم منح الفرصة لجهات اخرى لأن تقوم بملء تلك الفراغات التي تحتاج لجرعات دينية صحيحة بعيداً عن المتشددين الذين يبيحون الحرام لتشويه صورة الإسلام وانا على استعداد لمساعدة الأسر التي انضم أبناءها الى داعش بجمعهم بالمهربين الذي سيساعدونهم في عودة أنبائهم اليهم مرة اخرى، احمد الله كثيراً أنني الآن في نعمة وأنا مع زوجي وبين أبنائي وسط حفاوة هذا الشعب السوداني الطيب والأصيل.
وقبل ان تتختم دانا حوارها المطول حرصت على ايصال رسالة اعتذار مؤثرة الى أهل زوجها وهي تقول وبقايا دموع في عينيها تكاد أن تنحدر: أتمنى أن تسامحوني وتغفروا لي لأنكم أخذتم كثيراً في خاطركم مني بسبب ما بدر مني من حالة القلق والتوتر الذي عشتوه بسببي، وأقول لكم أنا متأسفة جداً جداً فأنا اعتبركم أسرتي الكبيرة فأنا جزء لا يتجزأ منكم، فأنتم سندي وعضدي في الحياة ودونكم لا أساوي شيئاً، فقد اخترت أن أكون بينكم حتى أنعم بكرمكم وحبكم وحسن تعاملكم والإسلام دين تسامح ومحبة.
صحيفة السوداني