يوم التدافع.. يوم السودانيين

* هذا الموقف الذي طفقت تحتفل به الأسافير ومواقع التواصل الاجتماعي العربية والعالمية، أعني موقف هبة الحجاج السودانيين بمشعر منى على حين وقوع صدمة التدافع الأليمة التي خلفت المئات من الشهداء والجرحى، عندما لم يكتف الحجاج السودانيون بإخلاء مخيماتهم لاستقبال الضحايا فحسب، بل نهضوا بأنفسهم للمشاركة في عمليات الإسعاف إلى جانب الطواقم السعودية المنوط بها القيام بهذا العمل.
* لم يكن هذا الموقف غريبا علينا، نحن – حجاج الداخل – أو قل مواطني الداخل السوداني، فهو يتكرر باستمرار هنا دونما هالات إعلامية، فالغريب هنا ألا ينهض السوداني للنجدة والمروءة عند المفاجع !!
* والشيء بالشيء يذكر، ففي شهر رمضان الفائت قد اشتعلت أيضاً وسائط التواصل الإجتماعي سيما الخليجية منها، بحادثة قيام أحد المحسنين السودانيين ممن يتصدون إلى عمليات إفطار الصائمين علي الطريق القومي مدني الخرطوم، قيامه بفتح بلاغ ضد أحد منافسيه على إفطار الصائمين، بأن غريمه يأخذ من أمامه الأضياف ويصرفهم عن مائدته!! عندما يندهش أثرياء العالم.. أني لهؤلاء الفقراء من السعة والثروة التي تؤهلهم إلى مثل هذا الماراثون !! كما لو أننا يومئذ المعنيون بقول ذلك الأعرابي ..
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
ويخصب عندي والمحل جديب
فما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى
ولكنما وجه الكريم خصيب
* فربما يحتفظ كل واحد منا بيوم مروءة سودانية مشهود على حين فاجعة.. وذلك عبر التاريخ السوداني الذي يجهله الآخرون !!
* أذكر لما تصادم قطاران بإحدى المحطات القروية، لم تكتف تلك القرية بأن تخرج عن بكرة أبيها بما تملك من طعام فحسب، بل قد تحولت إلى طواقم طوارئ للإسعاف والإخلاء، ولما كنت أقوم بعمل مهني استقصائي عن ضحايا (حفرة العبابدة).. قبالة محطة جمارك العبيدية التي تعوق عمليات السير على طريق عطبرة أبوحمد، قال لي يومها الشاب (طارق) الذي انتشل بيده خمسة وثلاثين قتيلاً وعشرات الجرحى، قال إنه لم يبق بقريتهم (مرتبة أو لحاف) فقد استخدمت كلها في عمليات إسعاف الجرحى وستر الموتى!! ويوم أن غرق أحد المراكب سهرت كل القرى شمال موقع الحادث على ضفاف النيل أياما بلياليها لأجل انتشال الغرقى و.. و..
* كنت ذات يوم أبحث عن دلالة كلمة (النص) التي صاحبت اسم عائلة رجل الأعمال الطيب النص الشهيرة بشرق النيل، فعرفت أن جدهم هو من أصر ذات موسم قحط ومجاعة تدفق فيها الناس على ضاحيتهم، أصر أن يستضيف كل الجموع، ولما نافسه الآخرون أقسم أنه لم يقبل بأقل من النصف.. فلقب بـ (الطيب النص)!! “ويوم العيش بقى بالقبض دار النعيم ولا بتسد”، وما أدراك ما النعيم ود حمد و.. و..
* لكننا في المقابل بخلاء جداً في عمليات إنفاق بعض الوقت لتوثيق بعضٍ من هذه المكرمات، ولو درامياً وفنياً، وننتظر الأقدار وحدها لتبين للآخرين تدافع السودانيين على حين فاجعة ليروا رأي العين ما لم نكتبه .

Exit mobile version