إنشغل الناس يوم أمس, وينشغلون إلى أيام كثيرة قادمة, بقرار وزير العدل الذي تصدر الأخبار, وأصبح عنواناً رئيسياً لكل صحف الخرطوم تقريباً, والقاضي بتشكيل لجنة قانونية للتقصي حول مخالفات الأراضي في ولاية الخرطوم إبان عهد الوالي السابق الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر.
أراضي الخرطوم ليست وحدها, فهناك مخالفات شبيهة تتطلب أن يتم فتح ملفاتها بصورة عاجلة في كثير من الولايات, وهناك إتهامات بالتجاوزات, وكثير من الاستفهامات (القائمة) التي نبحث عن إجابات (غائبة) تشغل الرأي العام المحلي في تلك الولايات, لكن قدر الخرطوم ومن يتولون أمور حكمها يجعلهم دائماً تحت دائرة الضوء, وسرعان ما تصدر محاكم الرأي العام أحكامها التي يصعب تبديلها, رغم أن الحيثيات غالباً ما تكون ناقصة أو مشوهة, أولاً تكون قائمة على حق, وهذا يأتي في الغالب من التناول الإعلامي السالب لكثير من القضايا (العادية) أو (الخطيرة), مثلما أدار البعض قبل فترة قصيرة معركة ناقصة الوسائل والأدوات, محدودة الميادين, حول إستيراد القمح والدقيق بعد أن رأت الحكومة ضرورة فكل إحتكار إستيراده بقيمة (اسمية)- أو تكاد أن تكون- للدولار.. لذلك نهض أصحاب المصالح, كل يغني على ليلاه, ولم ينل المواطن صاحب المصلحة الحقيقية من كل ذلك سوى (غبار) الدقيق في المعركة التي إتخذت من الصحف والوسائط الاجتماعية أرضاً لها.
نحن مع الشفافية, وظللنا نطالب بها دوماً, لأنه مع غياب الشفافية في العمل العام تنهض الإتهامات لتطال الجميع, وتضرب في كل إتجاه.
طوال يوم أمس, إنشغلت مواقع تواصل اجتماعي عديدة بقرار السيد وزير العدل المحترم, وتبادل أعضاء المجموعات الجادة الأمر بحكمة مطلوبة, بينما تناوله البعض لتصفية حسابات سياسية وخاصة مع النظام القائم, أو مع أفراد فيه, ليصبح الأمر (شخصياً) بعيداً عن الموضوعية المطلوبة في مثل هذه القضايا.
البعض يرى أن الملف (إنتهى) ولا يملك الوزير أن يفعل فيه جديداً, خاصة بأن على رأس (الأراضي) دائماً رجل من الهيئة القضائية, ورغم ذلك شهدت (أراضي الخرطوم) في عهود سابقة فساداً كبيراً يتحدث به الركبان حتى يومنا هذا, وربما إلى يوم يبعثون… (!)
البعض يرى أن هناك استهدافاً خفياً للدكتور عبد الرحمن الخضر وكامل عهده, لكن هذا أمر مستبعد إلى حد بعيد, لأن وجود (عبد الرحيم) الحالي هو إمتداد لوجود (عبد الرحمن) السابق, وهما يمثلان نظاماً حاكماً لا اختلاف فيه بين عهد رجل وآخر.. ثم أن السيد الوالي الحالي الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين, له رأي إيجابي في سلفه الدكتور عبد الرحمن الخضر, ثم أنه- أي عبد الرحيم- عانى وبحسب المقربين منه من التآمر في فترات متصلة, ويعرف كيف يواجه الخصوم بعيداً عن أساليب (الحفر) وأدواته الخفية والمعلنة.
نحن مع قرار وزير العدل بتكوين هذه اللجنة مع قناعتنا التامة بأن (التخفيض) أو (التقسيط) في قيمة الأراضي هي حق كفله المشرع للسيد الوالي أياً كان حسب تقديراته, رغم أننا وكثيرين ضد (التخفيض), مع كامل علمنا بأن السيد الوالي السابق نفسه كان قد أمر بالتحقيق في تلك القضية التي هزت عرشه الولائي, وربما كانت السبب في عدم التجديد له, على الرغم من الإنجازات غير المسبوقة التي تحققت في عهده.
نعم.. نحن مع قرار السيد وزير العدل ونجدد ذلك مراراً وتكراراً, لكننا أيضاً نطالب بفتح كل الملفات التي غطاها غبار النسيان, ونطالب بتكوين لجان للتحقيق في قضايا كبيرة وخطيرة أخرى مثل قضايا الأموال الحكومية التي ذهبت لشركات طرق لم توفِ بإلتزاماتها وناقشها البرلمان السابق, ونطالب بفتح التحقيق في قضايا أكبر وأخطر مثل تعويض المتضررين في (غزوة أم درمان) عام 2008م, وقضية متضرري السدود, وقضية أحداث سبتمبر, وغيرها وغيرها.
ليت السيد وزير العدل فعل.