قضايا السودان في الأجندة الأممية.. كيف التجاوز؟

لم تكن شعوب العالم تحتاج لأكثر من سبعين عاماً، وهي عمر ميثاق الامم المتحدة الذي أقر في مدينة سان فرانسيسكو في الساحل الغربي للولايات المتحدة عام 1945م، لتجلس مرة أخرى وفودها أمس في الثاني والعشرين من سبتمبر 2015م، لتندب حظها وآمالها، في المنظمة الدولية وهي تضع المشهد العالمي امامها ليتبارى قادة الدول ورؤساء الحكومات لرسم معالم وملامح جديدة لعالم قد تغير بالفعل، ولم يعد ذلك الميثاق الذي تواثقت عليه الشعوب يلبي لها رغباتها وتطلعاتها ويحفظ لها الأمن والسلم المنشودين ويدفع التنمية المستدامة والنهضة.
ولم تكن الأمم المتحدة في دورتها السبعين التي انطلقت أمس في نيويورك، بحاجة لمن يذكرها بأن العالم الذي تعمل على جعله أكثر سلاماً وافضل ظروفاً، هو العالم الذي خربته التناقضات والتباينات والصراعات والحروب والأطماع للهيمنة والسيطرة على الموارد ومد مظلة النفوذ للقوى الكبرى لتغطي إزاء وساعة من العالم بحثاً عن مجد مفقوء العينين.
على غير بعيد من مقر المنظمة الدولية الذي اكتظ بالرؤساء وقادة العالم ووزراء الوفود، وامتلاء المبنى الضخم بمئات المشاركين، كانت تصل إلى أسماع الرؤساء وقادة العالم صيحات بلا جدوى، لعشرات التظاهرات المستميتة والقابعة خارج المقر في ميدان «همرشولد» تقاطع شارع «2» مع شارع «47» حيث يقع مقر بعثة السودان، عشرات اللافتات والهتافات لدول وحركات ومجموعات سياسية منسية في اواسط آسيا ومن إفريقيا وجزر خاملة الذكر في المحيط الهادي والبحر الكاريبي، وكانت هناك تظاهرة غريبة لمؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قوامها بعض وعشرين شخصاً زينوا المكان بالصور والأعلام والغناء وفرقة رقص مصرية مقيمة في نيويورك.. وتتزاحم وجوه لمتظاهرين من كل العالم ضد كل شيء وليست مع أي شيء، وبالطبع اختفت من سنوات المظاهرات الصغيرة التي كانت تنظمها حركات دارفور وبعض الناشطين الامريكيين ضد السودان، ولم يعد هناك ما يذكر بأن السودان توجد به معارضة سياسية فاعلة.
أسئلة الدورة السبعين
في الذكرى السبعين للأمم المتحدة حفلت كلمات الرؤساء في الجلسة الافتتاحية وما تلاها من كلمات خاصة الرئيس الامريكي باراك أوباما ورئيس البرازيل والرئيس الروسي بوتين والرئيس الصيني والعاهل الاردني والرئيس الكوري والرئيس الايراني والرئيس الفرنسي والرؤساء اليوغندي والشيلي والكوبي والجنوب إفريقي والمصري والزيمبابوي والأرجنتيني والنيجيري والغابوني والاثيوبي والكيني والسنغالي والمالي ورؤساء من امريكا اللاتيني والامير القطري، حفلت بالتطلعات الكبيرة والآمال في صناعة عالم جديد.
رئيسة البرازيل كانت كلمتها كالعادة هي الاولى، باعتبارات خاصة بالمنظمة الدولية التي تعطي الفرصة الاولى في افتتاح اجتماعات الجمعية العامة لرئيس البرازيل تخليداً لذكرى المهندس البرازيلي الذي صمم ونفذ مبنى الامم المتحدة على ضفة النهر الشرقي في مانهاتن، فكل الخطابات التي قدمت حيت الذكرى السبعين لميثاق الامم المتحدة، وكان من اللافت الخطبة التي تشبه العظة الكنسية التي القاها الرئيس الأمريكي باراك اوباما وهو يتحدث عن العالم وتغيراته وكيفية النهضة به ومحاربة التطرف والارهاب وبناء الثقة بين الشعوب وصناعة السلم العالمي وتعزيز التعاون وفرص العمل المشترك، وهنا لا بد من الوقوف عند هذه النقاط، فكثير من القادة الذي تحدثوا ركزوا على طرح الأسئلة الصعبة التي تواجه الامم المتحدة.
ماذا تحقق .. منذ نشأتها ..؟ ولماذا أنشئت من الاساس..؟ كيف تنظر إليها شعوب الكرة الارضية؟ وما هي فرص نجاح الإصلاحات التي تنادي بها دول العالم؟ وهل هذه الإصلاحات ستشمل كل هياكلها ومنظماتها ومؤسساتها وميثاقها ونظام إدارتها وميزانياتها؟ وهل ستكون هناك فرص أوسع في هيكلة مجلس الأمن الدولي وإعطاء قارات مثل إفريقيا وأمريكا الجنوبية عضوية دائمة؟
الواضح أن هناك حقائق جيوسياسية وجيوستراتيجية حدثت في العالم، تتطلب مراجعات، خاصة أن شكوكاً كبيرة تحوم حول الأمم المتحدة وأجهزتها ومنظماتها تتعلق بديمقراطيتها ونزاهتها وعدالة تمثيلها لكل شعوب الأرض، كما أن الحديث عن فشل المنظمة الدولية في صناعة وتثبيت السلم والأمن الدوليين يظل هو السؤال الأكبر والأبرز في ظل الظروف الراهنة في العالم، فإدارة حفظ السلام بالأمم المتحدة مثلاً التي تسيطر عليها الولايات المتحدة دائماً «منذ تأسيس هذه الإدارة كانت في يد مسؤول أمريكي لم يتغير لأية جنسية أخري» هذه الإدارة تواجه على الدوام شكوكاً في أن عمليات حفظ السلام التي يتحكم فيها الاعتبار والبعد السياسي وهيمنة القوى الكبرى، بلغت ميزانيتها هذا العام أكثر من «14» مليار دولار، وتتهم مجموعة الدول المكونة لقوات حفظ السلام (TTCs) (Troops contributing countries) والدول الممولة، بأنها حولت هذه العمليات إلى مصالح تجارية تتعلق بتمويل العمليات خاصة الجوانب اللوجستية والمعدات وخدمات القوات التي تشارك في عمليات حفظ السلام في مناطق العالم الملتهبة.
وتواجه الأمم المتحدة في هذه الدورة أسئلة صعبة، فإذا كان الرئيس الأمريكي أوباما قد قدم خطابه الأخير أمامها «العام المقبل لن يكون موجوداً كرئيس للولايات المتحدة»، ورسم صورة قاتمة للعالم الذي أسهمت فيه بلاده بصورة كبيرة في جعله أكثر عنفاً وظلاماً وكراهية وظلماً، قد طالب بهذه المراجعات والاصلاحات بعدسبعين عاماً من الميثاق، فإن العالم يواجه اليوم مصيراً بالغ التعقيد في ازماته ومحنه وظروفه وتناقص فرص العيش بسلام في كوكبنا.
مشاركة فاعلة للسودان
قبل انطلاق هذه الدورة الـ «70» للجميعة العامة للأمم المتحدة، وصل إلى نيويورك وفد كبير من حكومة السودان بقيادة البرفيسور إبراهيم غندور الذي يقود الوفد الرسمي، وشارك الوفد في قمة التنمية المستدامة لأهداف الألفية لخمس عشرة سنة قادمة، التي سبقت انعقاد الجمعية العامة خلال الفترة 25 ــ 28 /9/2015، وضم والوفد الاستاذة مشاعر الدولب وزير الرعاية والضمان الاجتماعي، والسيد السفير عبد الغني النعيم وكيل وزارة الخارجية، والسفير صديق عبد العزيز مدير إدارة المنظمات بالخارجية، والسفير علي الصادق مدير ادارة السلام والشؤون الانسانية، والسفير الطيب ابو القاسم مدير الادارة الاقتصادية بالخارجية، والسفير فضل عبد الله فضل مدير مكتب وزير الخارجية، والسفير مبارك رحمة الله مستشار وزير الرعاية الاجتماعية.
وبعد المشاركة في القمة عن اهداف الالفية، انخرط الوزير في اجتماعات ولقاءات ثنائية عديدة مع زراء خارجية عدد من دول العالم، وحدد السودان مطلوباته وأهدافه في هذه الدورة للجمعية العامة وهي:
1ــ ملف المحكمة الجنائية الدولية.
2 ــ إعفاء الديون.
3 ــ رفع الحصار الاقتصادي والعقوبات.
4 ــ خروج بعثة اليوناميد وقواتها.
5 ــ تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي.
6 ــ شرح وتوضيح الأوضاع في السودان وخاصة السلام والحوار الوطني وآفاقه.
على ضوء هذه المطلوبات والاهداف شارك وزير الخارجية بفاعلية في اجتماع الاتحاد الافريقي، واللجنة الوزارية تكونت بعد قمة جوهانسبيرج لمقابلة مجلس الامن الدولي لتجميد ملف المحكمة الجنائية الدولية وقراراتها ضد القادة الافارقة، كما شارك في اجتماعات المجموعة الإفريقية والعربية، بالاضافة لعدد من الاجتماعات مع وزراء خارجية ضمن اكثر من «53» لقاءً تم ترتيبه خلال وجوده في نيويورك.
وسيقدم الوزير خطاب السودان خلال اليومين القادمين، ويحصد بعدها نتائج هذه المشاركة الفاعلة.
ملاحظات
كلمة الرئيس الروسي فلادمير بوتين انتقدت بشدة التدخل الامريكي في الشرق الاوسط، وقال إن أمريكا هي السبب في ظهور داعش، وكشف عن ان مقاتلي داعش هم قوات الجيش العراقي الذي فككته امريكا بعد احتلالها للعراق وعناصر الجيش الليبي بعد سقوط القذافي، وهؤلاء هم مقاتلو داعش، وتساءل من اين يأتي السلاح لداعش؟
لم يرد اسم السودان في كلمة الرئيس الامريكي وهو يحدد مناطق الأزمات والصراعات في العالم، ولم يشر اليه، وكذلك كلمة الامين العام للامم المتحدة ورئيس الجمعية العامة.
رئيس البرازيل تحدثت بشكل عاطفي ومؤثر للغاية عن ازمة اللاجئين السوريين ولاجئي الشرق الاوسط، وقالت ان بلادها تمد يدها وتفتح قلبها لهم.
وحظيت كلمة العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني باهتمام كبير خاصة حديثه عن الارهاب، وعن مسؤولية الاسرة الهاشمية عن حماية المسجد الاقصى.
وتشهد هذه الدورة وجوداً مكثفاً للرؤساء والقادة، وقد كثفت السلطات الأمريكية الإجراءات الأمنية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وتحولت الشوارع والمداخل حول مبنى الامم المتحدة إلى شبه ثكنة عسكرية، ويجري تدقيق وتنظيم وضبط عالٍ لتنظيم حركة السير ومرور الوفود والمارة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما على غير العادة تم تغيير مكان اقامته المعتاد من فندق «ولد اوف ستوريا هوتيل» إلى فندق آخر في نيويورك بسبب شراء شركة صينية الفندق الفخم العريق، وحسب ما تتناقله وسائل إعلامية امريكية هنا أن الفريق الأمني للرئيس أوباما قرر عدم نزوله في فندقه السابق لأسباب تتعلق بالتنصت .

Exit mobile version