في الرابعة من فجر الجمعة ومن مدينة أم درمان العاصمة التاريخية توجهنا تلقاء عاصمة التراث السوداني، حاضرة جنوب كردفان، مدينة كادوقلي. كانت ثلاثة بصات تتجه صوب المدينة المتوجة احتفالا بها بعد أن شهدت هدوءا وأمن نسبيا حد قول أهلها بعد أحداث السادس من يونيو والتي راح ضحيتها الكثير من الأنفس والممتلكات وتسببت في هجرة الكثير من المواطنين إلى ضواحي المدينة أو إلى الولايات المجاورة.
وبعد المعتركات التي خاضتها أطراف النزاع من الحكومة والمعارضة تتوج كادوقلي عاصمة للتراث السوداني في وقت تشهد خلاله المدينة انتشارا أمنيا مكثفا داخل المدينة وعند المدخل وعند المؤسسات، أصوات طائرات حربية تؤمن المدينة من أعلى وعربات الجيش ترسل إشارات التأمين للمدينة التي يزورها نائب رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء.
ذات الحاملة الكبيرة التي تنقل بها الدبابات أثناء الحرب استخدمت أيضا في وقت هدوء وأمن نسبي لحمل الفرح والبهجة، فتحولت بفضل إنسان جنوب كردفان إلى منصة اعتلاها نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبدالرحمن مخاطبا مواطني المدينة صباحا من ميدان الحرية، ومدشنا المصفوفة الأولى لكادوقلي عاصمة للتراث السوداني؛ ليتواصل الفرح حتى المساء باستاد الهلال، ويرقص على حاملة الدبابات ذاتها قادة الفن والفنانون منهم محمد البدري، سبت، حواء رمضان، عبدالقادر سالم الذي أرقص الجمهور، وفرقة عقد الجلاد التي صدحت حتى منتصف الليل وبعده بنصف ساعة خرج المواطنون فرحين حد الثمالة يشكرونهم ويدعونهم للزيارة مجددا لأنهم يفتقدون لمثل هذه المهرجانات.
وتمتد جبال كادوقلي كسلسلة تحتضن المدينة وتكسو الحشائش الخضراء في فصل الخريف جبالها، وعلى الرغم من أن الخريف يمتد طوال ثمانية أشهر، إلا أن وزارة السياحة لم تفكر بعد أن تجعل منها منتجعات. حسناً إنسان الولاية خلق لنفسه متنفسا من الطبيعة فبنى القطاطي فوق الجبال وجعل من الخيران مسبحا يسبح فيه ضد التيار الذي جرف لهم الحرب والتمرد وجعل أكثر من (6) مناطق مقفولة في المدينة لا يمكنهم الدخول إليها والخروج منها.
وبينما يرعى الأطفال في سهول من الخضرة، عامرة بالإبل والضأن والماعز والأبقار يتبعها رعاتها مترجلين أو على الحمير، فثمة نسوة يحملن فؤوسا وأخريات لهن وجوه شاحبة من كثرة الجهد يقمن بأصعب عملية وهي تقطيع الحشائش وعلى مسافة من الطريق أطفال رياض يتربعون فوق الأرض يتلقون دروسهم في روضة مشيدة من القش في وقت أبرمت فيه الولاية عقودا لتوفير (5) آلاف كتاب للطفل.
محمد الزبير الذي يبلغ من العمر عشرة أعوام ونيفا توفى عمه في أحداث 6/ 6 ولا زال والده الجندي يحمي صفوف القوات في منطقة النزاع ترك الدراسة ليرعى بقطيع من الأغنام التي ماتت كثير منها برصاص الحرب ولم ينج سوى (6) رؤوس فقط من (24) رأسا بعد عودتهم من الهروب.
ليس هذا حال محمد فحسب، فمرتضى ذو العشرين عاما الذي يسكن محلية السمة أيضا ترك الدراسة يعد أن نجح في امتحانات الشهادة السودانية بنسبة تحلقه برفاقه في جامعات العاصمة ولكنه كبير إخوته التسعة لذا فضل أن يكون بجانبهم، مرتضى الذي ضاعت أحلامه بين أصوات الحرب لا يطمح في مستقبل آمن إلا أن يتم تحرير المناطق المقفولة وتعود المدينة إلى سابق سيرتها.
محمد حامد محمد ـ موظف بالهيئة القومية لتوفير مياه كادوقلي ـ يصف وضعه ومواطني محلية السرف المتاخمة للجبال والتي شهدت حربا ضارية قائلا: في وقت كانت المدينة تقذف بكل محلياتها كنا نمارس حياتنا بطريقه شبه عادية فأصبحت أصوات الدانات والرصاص كما الأذان تنبههم لمواعيد القتال الذي قد حان، محمد جد لأكثر من خمسة أطفال يلعبون في خيران السرف الغربية بدون الهلع الذي كان يعتريهم في صغرهم يهرعون مندسين تحت الأسرة خوفا من الموت قتلا، لولا قدر الله و(كتمت تاني) لن نبرح الأرض مكانا، فالموت حتمي أينما كنا ولكننا نطالب الحكومة والدولة بأن تفرض المزيد من الأمن على الولاية.
مبنى كبير وسط المدينة يحمل اسم (المستشفى المرجعي) هو واحد من البنى التحتية التي شهدتها ولاية مولانا أحمد هارون ويضاف إلى رصيده في الثورة العمرانية والبنى التحتية للمدينة في السنوات الأربع الأخيرة التي قضاها لكن المبنى ذاته يقف صامدا صامتنا لا يعرف سبب توقفه عن الاكتمال بعد أن ترك مولانا هارون الكرسي لخليفته الوالي عيسى آدم الذي قضى أكثر من أربعة اشهر ولم تتمخض عن ولايته أي قرارت جديد تعطي مواطني الولاية وميض أمل بأن هناك مكانا مناسبا للعلاج حيث أن الولاية بمحلياتها السبع تضم مستشفى كادوقلي والمستشفى العسكري فقط فيما يتلقى البعض علاجهم في مستشفى الأبيض لأنها الأقرب لهم من، يقول المواطنون إن المستشفى المرجعي الذي شارف على الانتهاء توقف بسبب العجز المالي مناشدين اللواء آدم أن ينظر في أمر المستشفى الذي أصبح حلما في وقت يجب أن يكون فيه حقا من حقوقهم.
اللوء أمن عيسى آدم أبكر والي جنوب كردفان لدى مخاطبا مواطني ولاية ونائب رئيس الجمهورية أن واحدة من المدلولات الكبيرة أن ولاية جنوب كردفان بدأت في تقديم الخدمات للمواطنين من حصة وتعليم وكهرباء، وأشار اللواء عيسى إلى أن التنمية بدأت عقب أن تحقق الأمن والسلام بالولاية، موجهة دعوة للسودانيين لزيارة الولاية من أجل الوقوف على السلام والأمن قائلا: هي غنية بثرواتها الزراعية والحيوانية والذهب والفضة والنحاس، ودعا المواطنين لاغتنام فرصة السلام والأمن الذي تشهده الولاية للعودة إلى ديارهم ومراعيهم والتنقيب عن الذهب واصفا إياهم بالمنقذين لاقتصاد السودان.
وزير الثقافة الاتحادي الطيب حسن بدوي أكد رعاية الحكومة للتراث والمواصلة في الخط الاستراتيجي للدولة باستكمال المشروعات الثقافية عبر تدشين مشروعات الثقافة، ووقعت الشركات والجهات مع الأمانة العامة لمشروع كادوقلي عاصمة التراث السوداني مشروعات كثيرة في البنى التحتية، شركات فازت بعطاء تشييد المراكز الثقافية الخاصة بالثقافة في ولاية جنوب كردفان، وضم تصفيف الخطوة الاولى لمشروع كادوقلي عاصمة للثقافة والتراث السوداني والمشروع الذي يشتمل على منتجع سياحي، خمس حلبات مصارعة بكل من كادوقلي، الدلنج، كلودي تلودي، الميري وخمس مجمعات ثقافية بالدنلج، تلودي، كلودي، أبو جبيهة وأبو كرشولا ومكتبة تضم (5) آلاف كتاب للأطفال مقدمة من مركز الفيصل الثقافي ومتحفان للتراث، وتشمل انطلاق كرسي التراث بجامعة الدلنج.
نائب رئيس الجمهوية حسبو محمد عبد الرحمن اتخذ طريقا آخر متجها نحو السياسة مطلقا الحوار الوطني الاقتصادي الثقافي للقوى السياسية والاجتماعية وليس حصريا على الأحزاب بل للمجتمع السوداني أجمع ليشارك في قضاياه الكلية مؤكدا أن الثقافة والتراث بمنابرها كلها من أهم وسائل الحوار المهمة، حسبو أشار إلى أن نشر ثقافة السلام لا يتم إلا عبر الكلمة قائلا: جئت إلى كادوقلي في ظروف صعبة أثناء القصف فمواطنو كادوقلي ردوا له التحية قائلين (الدانة ولا المهانة) وكان شعارهم (الصاروخ ولا النزوح) واعدا مواطني الولاية بأن الحكومة ستقف معهم ولن تخذلهم ووجه حسبو رسالة من موقع القوة مناديا ومناشدا أبناء ولاية جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق الذين يحملون السلاح بأن الحرب قد ولت دبرها وبأن الحكومة أبرمت اتفاقا مع دولة الجنوب وبموجبه ستطرد الحركات وأن الاتفاق مع موسفيني أن يطرد الحركات من يوغندا بموجب العقد المتفق عليه وليس هناك مفر غير السلام والمجيء إلى البلاد وستستقبلهم البلاد بعزة وكرامة وتتيح لهم الفرصة للمشاركة في الحوار، وأن البلاد تسع الجميع فالمساحات كبيرة والمواطنون قلة ورغم الانفصال السودان ثاني أكبر دولة في أفريقيا، فيما بعث نائب الرئيس حسبو رسائل إلى السياسيين أبناء المنطقة الموجودين في أوروبا وأمريكا بأن الحوار لا بد منه ولا بد أن يكون سودانيا سودانيا دون أي تدخلات وأجندة خارجية كي يتحقق تقاسم الثروة والحقوق بطريقة عادلة، كما أعلن عن كرسي التراث بجامعة الدلنج وقطع بأن الدولة مهتمة بالولاية والتنمية والمشروعات التي طالبت بها في خدمات الكهرباء والماء والطرق.
صحيفة اليوم التالي