متابعون وقراء سجلوا بعض الملاحظات على أداء الصحف الالكترونية في بعض جلسات التفاكر في شأن الصحافة العربية بشكل عام.
أبرز ما لفت نظري هو إثارة نقاش حول المواد الترفيهية المستوردة والتي بدأت تزحف إلى الصحف في ظل غياب المحتوى الترفيهي الداخلي حتى باتت تسيطر على صفحات عديدة منها.
نقلتني هذه المتابعة إلى انتقاد قدمه كلفين ماكنزي، الصحفي البريطاني ومحرر جريدة الـ(صن) السابق، مبديا استغرابه حول استيراد الترفيه والمحتوى في الإعلام العربي عموما، ومنتقدا عدم تنمية الابتكارات المحلية في هذا المجال.
استغرب ماكنزي أيضا من أن المطبوعات تحرز أرقاما هائلة، معتبرا أن زيادة توزيع الصحف في الشرق الأوسط استثناء عن بقية العالم، ويؤكد قوله بأنه إذا كان التحول الرقمي أمرا حتميا وآتيا لا محالة، فإن الصحف في الشرق الأوسط ستظل إلى زمن طويل مزدوجة الإصدار ما بين ورقية والكترونية.
أما الملاحظة اللافتة الأخرى وهي مشكلة المصداقية في الصحافة الالكترونية، وهذه نوعان، منها ترويج الأكاذيب والإشاعات، أو النقل من وكالات عالمية وصحف ورقية أخرى دون الإشارة إلى المصدر، وهناك أيضا انتحال أسماء صحف كبيرة مع تغيير طفيف، يشي للقارئ بأنها الصحيفة الأصلية.
ففي إحصائية حديثة وجد أنه بالسعودية وحدها حوالي 2800 صحيفة الكترونية، مرخص منها نحو 750 صحيفة، وحسب المراقبين فإن هذه الصحف تعاني من أزمة مصداقية حادة.
ووجود صحف الكترونية من غير أساس لصحيفة ورقية مطابقة يبعد القائمين على أمرها عن تحمل الكثير من المسؤولية في النشر، مما يجعلها نسخة أخرى من الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلبها مجهول الهوية لغرض في نفوس منشئيها.
وإزاء كثير من الأضرار خاصة في مثل هذه الظروف التي أصبح فيها استغلال الإعلام الجديد لأغراض خبيثة؛ مما جعله بعيدا نوعا ما عن تحقيق المحتوى الثقافي والإعلامي الآمن، فإنه يؤمل أن تقوم وزارة الثقافة والإعلام السعودية بتنظيم إصدار الصحف الالكترونية من خلال بعض الإجراءات والشروط المفروضة كتلك التي يقوم عليها تأسيس صحيفة ورقية.
وبالرجوع إلى نقطة ماكينزي يبرز السؤال لماذا تتقاصر المواد الترفيهية المحلية دون الوصول إلى صفحات الصحف عموما، ليسد حاجة اللجوء إلى مواد ترفيهية خارجية قد لا تضر، ولكنها بالتأكيد لا تحقق الفائدة التي يمكن أن تحققها مواد الترفيه المرتبطة بالواقع المحلي ومكوناته الثقافية.
نجد أن ناقل المادة عادة لا يهتم بطبيعتها سوى أنها ترفيهية، ويمكنها أن تجلب نصف ابتسامة وسط زخم أخبار القتل والدمار والهموم الحياتية.
ولا نقول إن الصحف خالية تماما من المواد الترفيهية المحلية ولكنها عبارة عن نماذج من هنا وهناك، أو أخبار يحسبها محرروها فكاهية، ثم مرورا بعكس سخرية المدونين من الواقع في شكل لا يقترب من أي فكاهة أو ترفيه، بل أرتال من مستثيري الشظايا واللهب، ومنهم عدد مقدر فاقد الأهلية يسوق لحبر مدونته الرخيص عند المنعطفات.
تذهب الصحف لهؤلاء وتترك مواد أخرى مليئة بالمفارقات المثيرة، وعلى الرغم من توفر المداخل إليها إلا أنها تحتاج إلى نظرة ثاقبة تلتقط ما يدور دون كثير عناء.
ومن كل هذا وذاك يزداد استفهامنا على استفهام، ليحيل المواجهة التي تتطلب من الإبداع أن يعمل على ترقية لغة التواصل مع الجمهور إلى انصرافية هذه اللغة عما يدور في واقعنا المعيش.
فاللغة المفاهيمية التي تشتمل على عكس ما يدور في هذا الواقع لا تحتاج إلا إلى قصدية الوصول إلى ذات الجمهور الذي يعي وفي مقدوره أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الإصدارات.