كل الظروف والعقبات التي تواجه إقامة حوار سياسي شامل في السودان نفسها موجودة في حالة (الحوار المجتمعي) لو أردناه حواراً مجتمعياً شاملا للجميع.
وليس ذلك بسبب طبيعة المجتمع السوداني السياسية فقط لكنه بسبب طبيعة قضايا هذا الوطن المتداخلة بشكل كبير بين السياسي والاجتماعي، حيث أن السياسيين لم يتركوا للمجتمع قضايا اجتماعية مستقلة عن سوق السياسة ومزاداتها.
الهجرة قضية اجتماعية ذات بعد سياسي.. التنمية في السودان مرتبطة بأبعاد سياسية كبيرة والاقتصاد والثقافة والفنون وقضايا العطالة والقوانين حتى تلك القوانين الاجتماعية تجدها قضايا سياسية وترتبط بتوجهات فكرية بالأساس.. فمثلاً قانون النظام العام الآن على صدر وثائق السياسيين المعارضين..
الحريات التي هي أبرز أجندات الحوار الوطني بين القوى السياسية تجدها ضمن القضايا التي يتناولها الحوار المجتمعي على مستوى مناقشة التشريعات والقوانين..
القبلية والجهوية والهوية وبناء المجتمع وتوجهاته.. بل حتى الرياضة لم تعد بعيدة عن السياسة، لكن لا يمكن أن تتوقع في ظل ظروف التباعد بين القوى السياسية الوطنية أن يأتي رئيس للإتحاد العام لكرة القدم ويكون صاحب مواقف سياسية معارضة للنظام الحاكم أو حتى رئيس نادٍ رياضي كبير سيكون على الأقل محايداً في مواقفه وغير مرتبط بشكل أو آخر بأية توجهات سياسية مزعجة.
فنان محبوب وعظيم مثل أبو عركي البخيت ظل مقاطعاً للأجهزة الإعلامية الرسمية لأنه صاحب توجهات سياسية محددة مع أنه فنان يقدم فنه للجميع وله معجبون من كل أطياف وأصناف المثقفين السياسيين..
الحوار المجتمعي في السودان هو حوار موازٍ للحوار السياسي، هذا هو الواقع، إن تنسيق الجهود الاجتماعية الوطنية وتوفيق أفكار وطاقات بناء الوطن يرتبط كل ذلك بإزالة القطيعة السياسية أولاً.. ولذلك نجد أن خارطة التفاعل مع الحوار المجتمعي الذي يجري في السودان حالياً إن لم نقل إنها خارطة مطابقة لخارطة الحوار السياسي أو الحوار الوطني ونسبة التفاعل معه فإن نسبة الفارق بين الخارطتين ضئيلة لدرجة غير ملحوظة..
الأزمة في بلادنا هي أزمة التصنيف الحاد في المجتمع وضعف دور الشريحة الوطنية القومية المحايدة سياسياً أو تلك التي بمقدورها استيعاب هذه الخطوط الرفيعة التي تميز الخصوصية المطلوبة بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والمهني على مستوى المجتمع وعلى مستوى قضاياه الأساسية.
وكان من الأنسب أن يأتي الحوار المجتمعي عقب الفراغ من إنجاز الحوار السياسي وليس قبله.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.