والصباحات تمضي إلى العيد، وجدت نفسي أول أمس في خضم سوق أم درمان المتلاطم بأمواج البشر يتسوقون، لفتت انتباهي وما كانت ستفعل لو كانت بائعة عادية، وإنما كانت صانعة وحائكة، تدخل الخيوط وتشبكها بعضها ببعض بأصابع خبيرة ودربة ملفتة للنظر. إنها امرأة تصنع (طواقي العيد) بمهارة فائقة فيما تنهض أكوام من صنع يديها أمامها، بينما تنهمك في (ضخ) المزيد، وكأنما أنفاس إبرتها اللاهثة تحاول اللحاق بسوق العيد.
(1)
مكان إستراتيجي، جوار بوستة أم درمان، تشغله صانعة الطواقي (بخيتة)، تساعدها رفيقتها (عائشة)، تعملان بدأب وبشكل متواصل منذ الصباح حتى المساء، من أجل صنع (تشنيقات) تليق بالجلابيب الزاهية خاصة عيد الشيَّة والمرارة النيَّة.
تقر وتؤكد صانعة وبائعة الطواقي (بخيتة) بأن معروضاتها من هذه السلعة تشهد هذه الأيام إقبالا كبيراً، حيث هناك العديد من أنواع الطواقي المحلية والجلكسي والتركي والمصري والصيني، وجلها تتراوح أسعارها بين (10-20) جنيها، عدا (الاستبة) الماليزية التي يبلغ سعرها (50) جنيها، لأنها بجانب كبر حجمها يتكالب عليها الصبيان والشباب خاصة الملونة منها.
(2)
وبينما يمضي الوقت، ويقترب يوم النحر، لا تجد بخيتة وصاحبتها وقتاً لمزيد من الثرثرة مع صحفية لن يظفرا منها بعشرة جنيهات قيمة الطاقية البلدية، وربما لهذا السبب بالذات، بدأت رغبتهما في الحديث تقل، ثم تغافلتا عني تماماً منهمكتين في حياكة المزيد، فأشغال الإبرة تحتاج تركيزاً عالياً، و(المعايش جبارة)، والسوق (وارِّي) بحسب تعبيرهما، فقررت أن أنسحب، ومضيت عنهما بينما رأساهما يختفيان خلف أكوام طواقي الجلكسي والإستبات التي تسميها بخيتة بـ(تشنيقات العيد).
صحيفة اليوم التالي