رحلة مهندس سوداني يطلب اللجوء شملت اليونان فرنسا ،المانيا ،السوید،النرويج

حتي انت يا باشمهندس ؟؟
(أنا في النرويج ، وماش فنلندا بكرة انشاء الله ، ودايرها تكون محطتي الأخيرة ) …
الجملة السابقة رسالة وصلتني في الواتساب من صديقي وزميلي ابن كردفان قرشي حمد …
وهو من القلائل الذين كنت اجزم بعدم مغادرتهم للسودان الا للحج أو العمرة ، لكن ان يصل الامر الي ان يقول لي انا تاني ما جاي راجع ، فالأمر جلل .
قرشي من العصاميين الذين تزاملنا ايام الجامعة فقد كان الوحيد في (شلتنا ) يصرف علي نفسه ويدفع رسوم دراسته من عمل يده … حيث كان يعمل في هيئة مياه المدن محاسبا بالشهادة السودانية ، وتم تفريغه لدراسة الهندسة ، وقد كان امهرنا في مادة التصميم الهندسي ويقوم بشرحهها لكل الدفعة ..
عند تخرجه تم اعتماد شهادته في هيئة مياه المدن وترفيع وظيفته من محاسب الي مهندس ، وقد كان مخلصا جدا في عمله لسلوكه الذي كان قويما .. كان ينتمي الي الحركة الاسلامية ، مؤمنا بأفكارها وخادما لمؤسساتها ، الا انه فجأة غادرها في نهاية التسعينات وعلل لي ذلك ب (الناس ديل حرامية وكضابين ، وانا تاني ما عندي بيهم شغلة )..
وفعلا لم يرجع اليهم بعدها ابدا لانه لا يشبههم ولا يشبهونه ، فقد كان صادقا وأمينا وهم علي نقيض ..
في اجازتي في العام السابق وجدته يائسا وحزينا ، قال لي (سالم انا داير اقدم استقالتي من الهيئة ) .. باستغراب سألته عن السبب وهو الذي يدير احدي الوحدات ويمتلك مكتبا وسيارة ؟؟
قال لي : ( انا بين امرين ، اما أستقيل او ابقي حرامي في نهاية عمري ، مرتبي فقط الف وخمسمائة جنيه لا تكفيني لمدة اسبوعين وهسع بتاع البقالة داير مني واصحابي طالبني ، بعد شوية ما حألقي زول يديني ، ويمكن اضعف وامد يدي للحرام .. هسع في مهندسين اقل مني بيبنوا في عمارات وعندهم املاك ، لكن دا كله بالحرام ) …
قلت له : طيب لو قدمت استقالتك حتعمل شنو ؟؟
قال لي اسدد ديوني واهاجر …. ، لكن انت يا قرشي بتقدر علي نار الغربة ؟؟ قال لي نار الغربة احسن من جهنم السودان …
بعد فترة اتصل بي قائلا : ( قدمت استقالتي واخدت حقوقي ، والحمدلله سددت ديوني واشرت جوازي لي تركيا منها بمشي اليونان ومنها ربك يسهل …)
لكن يا أخوي سفر البحر و المجازفات دا حق الشباب الفي العشرينات ما حقك انت !!!
قال لي ( لو ضقت الانا ضقتو كان سافرت ولو بالحبو )
اتصل بي بعد ايام من مطارالخرطوم ليودعني وكنت وقتها في كمبالا ، وقد كان صوته حزينا ، واخبرني انه لولا سوء الظروف لما غادر السودان ابدا وتمنيت له السلامة والتوفيق …
انقطع اتصاله بي فترة تجاوزت الستة اشهر ولا احد في الشلة لديه اي معلومة عنه ….
حتي ارسل لي تلك الرسالة ليخبرني بوصوله الي النرويج وهو في طريقه الي فنلندا … حكي لي مالاقاه من مصاعب ومتاعب وقد مكث طويلا في معسكرات اللجوء في اليونان ، منها غادر الی فرنسا والي المانيا ثم السوید ومنها الي النرويج …
قصة قرشي ، هي (غصة ) الاف الشباب وغيرهم طردتهم الأنقاذ او اجبرتهم علي الهجرة اجبارا ، وهنالك تقرير يقدر عدد السودانيين الذين هاجروا منذ مجئ الانقاذ ب 10 مليون مهاجر ، وفي العام 2014 هاجر من جامعة الخرطوم فقط 300 استاذ جامعي ….
لا تثريب عليك اخي بهجرتك فأنت مرغم عليها مثلك مثل الآخرین ، وكنت اظنك تختلف …
اللهم ارفع مكرك وغضبك عنا وازل الكيزان من صدورنا .

بقلم: سالم الأمين

Exit mobile version