عبثًا وضعت لصوته وجهًا، وللغته مهنة، ولجيبه سقفًا، دومًا زوّر لها الإشارات. لعلّه حان وقت طرح الأسئلة.
_ هل لي أن أسأل ماذا تعمل في الحياة؟
ردّ ساخرًا:
_ لو كان لي الخيار لما كنت غير بائع للأزهار، فإن فاتني الربح لا يفوتني العطر.
_ أمنية جميلة.
_ إنّها أمنية أشترك فيها مع عمر بن الخطّاب. هو من قالها.
_ تبدو قارئًا جيّدًا.
_ ليس تمامًا، لكنّني أحفظ كلّ ما أحبّ عندما يتعلّق الأمر بثقافة الحياة.. أعني مباهجها.
_ تدري، قلت البارحة لابنة خالتي إنّني أكاد أجزم أنّ هذا الرجل يملك محلًّا للورود، فردّت مازحة.. ويعمل شاعرًا في أوقات فراغه!
_ صحّحيها.. أنا شاعر بدوام كامل وأعمل بين الحين والآخر رجل أعمال..
_ هل تكتب الشعر حقًّا؟
_ أكتبه؟! لا تلك هواية المفلسين، أنا أعيشه، بإمكانك أن تصنعي من كلّ يوم تعيشينه قصيدة – أضاف بعد شيء من الصمت – لي مثلًا معك دواوين شعر سأطلعك عليها يومًا.
قالت مندهشة:
_ معي؟
أجاب كمن يطمئنها:
_ المشاريع الجميلة قصائد أيضًا.. كهذا العشاء مثلًا. سبعة أشهر من المثابرة على الحلم والتخطيط له من أجل بلوغ لحظة كهذه. أليس وجودنا هنا نصًّا شعريًّا؟!
أخذ جرعة نبيذ كما لو كان يحتسي تلك اللحظة.
علّقت:
_ جنون. كان يمكن للأمور أن تكون أسهل.
_ الأسهل ليس الأجمل «إذا كان الطريق سهلًا فاخترع الحواجز».
_ أمّا أنا فلم أجد غير الحواجز وكان عليّ اختراع الطريق!
_ كلّ المتفوّقين في الحياة اخترعوا طريقهم. تدرين.. الفوز في المعارك ذات الشأن الكبير يجعلنا أجمل. الناجحون جميلون دائمًا. أما لاحظتِ هذا؟ حتّى صوتك ما كان يمكن أن يكون جميلًا إلى هذا الحدّ، لو لم ينجح في امتحان التحدّي.
[الأسودُ يَليِقُ بكِ]