* صحيح أن الغربة ليست كلها شراً، مثلما تحدث أحد قادة البرلمان قبل أيام من الآن، في معرض تعليقه على خبرٍ يتحدث عن هجرة خمسين ألفاً من الكوادر السودانية إلى الخارج خلال عامٍ واحد.
* هناك دول عدَّة تجني الكثير من عوائد تحويلات المهاجرين، ومنها إثيوبيا التي تتفوق فيها حصيلتهم على عوائد صادرات الدولة كلها، ومنها مصر التي تشكل فيها تحويلات المهاجرين رافداً مهماً للعملات الأجنبية، علاوةً على أن سفرهم يخفف الضغط على دولة تعاني من انفجار سكاني مريع، دفع سلطاتها إلى تركيب (عدَّاد) إلكتروني ضخم في إحدى الساحات العامة بمدينة مصر الجديدة، ليرصد عدد السكان بالثانية.
* الهجرة عند الآخرين بعضها شر، وغالبها خير، أما عندنا فشرورها أكبر من مكاسبها.
* لا حفظنا كفاءاتنا من التسرب، ولا جنينا منها تحويلاتٍ تعين اقتصادنا التعبان على تجاوز عثرته، لأن السياسات التي ينتهجها البنك المركزي في التعامل مع تحويلات المهاجرين جعلت المغتربين يفرون من المصارف والصرافات الرسمية إلى السوق الموازية، بسبب ارتفاع فارق السعر بين الرسمي والموازي.
* هجرة العاطلين والعاجزين عن إيجاد وظائف تقيهم شرور الفاقة مفيدة، ونحن نقر بأن المغتربين لعبوا دوراً مهماً في حفظ توازن المجتمع السوداني لسنواتٍ طويلةٍ، ساعدوا فيها أهلهم على توفير لقمة العيش، وأعانوهم على مواجهة صروف الحياة، بصبر لا ينفد، وكرمٍ لا يجارى.
* لكن هجرة الكفاءات النادرة تمثل نزيفاً لا يمكن لأي عاقل أن ينكر آثاره السلبية على الوطن.
* معظم جامعاتنا باتت خاوية على عروشها من أصحاب التخصصات النادرة.
* غالبية أساتذة الجامعات يمموا وجوههم شطر المهاجر بحثاً عن وضعٍ أفضل، بعد أن عانوا الأمرين من قلة مخصصاتهم، وتلكأت الدولة في تنفيذ الهيكل الراتبي المقترح لإقالة عثرتهم.
* نزيف التخصصات النادرة مستمر، وعدم استفادة الدولة من تحويلات المغتربين متواصل، من دون أن نشهد أي إجراءات حكومية جادة، تعيد بناء جسور الثقة بين المغتربين والجهاز المصرفي، حتى بعد أن وجهت الرئاسة البنوك بتسليم التحويلات إلى المستفيدين منها بذات العملات التي ترسل بها.
* قبل فترة تحدث الدكتور كرار التهامي الأمين العام السابق لجهاز المغتربين مؤكداً أن السودان هو الدولة الوحيدة في العالم التي شهدت اضمحلالاً في نسب التحويلات الواردة إليها من الخارج.
* بلغ حجم تحويلات المغتربين ثلاثة مليارات دولار في العام (2009)، ثم تناقصت إلى مليارين في (2011)، ونزلت في العام (2012) إلى مليار و(400) مليون دولار، ونعتقد أنها تناقصت مجدداً في العامين الأخيرين، نتيجةً لارتفاع الفارق بين السعرين، الرسمي والموازي.
* الاستخفاف بظاهرة تسرب الكفاءات النادرة بالحديث عن فوائد الهجرة غير مقبول في دولة لا تبذل أي جهد للمحافظة على أصحاب العقول النيرة، ولا تجتهد للاستفادة من تحويلات المهاجرين، وتخلي الجو لتماسيح العملة كي يعربدوا في أسواقها كيفما شاءوا.