:: قبل عام، عندما ضجت وسائل الإعلام بأمانة الراعي الطيب الزين بالسعودية، يُحكى عن خروج السودانيين المخالفين لقانون الإقامة إلى شوارع المملكة بأريحية رغم أنف القانون، وتسألهم الشرطة عن هويتهم، فيردون بثقة : ( نحن أهل الطيب الأبا يبيع النعجة)، فتتركهم .. واليوم، بعد أن تحولت حادثة الطفل السوداني أحمد محمد الحسن الصوفي بأمريكا إلى قضية رأي عام، يحكى أن البعض تظاهر أمام السفارة الأمريكية بالخرطوم، وسألهم الحرس عن السبب، فردوا : ( نحن أهل أحمد العملكم الساعة).!!
:: فالسواد الأعظم من أهل السودان بالخارج يشرفون بلادهم ويمثلون شعبهم (خير تمثيل)، وهذا الطفل أحدهم .. أحمد إخترع ساعة رقمية تكاد تكون بذات شهرة ساعة ( بيج بن )..والساعة الرقمية لم تشتهر بجودتها، ولكن بما حدث لمخترعها الصغير (13 عاماً).. بالإشتباه في الساعة، إنتهكت إدارة المدرسة و شرطة تكساس بعض حقوق هذا الطفل، ليناصره العالم .. وفي الحادثة أكثر من درس لأولى الأبصار والبصائر، ولكن للأسف دولتنا، لأنها من دول العالم الثالث – والأخير طبعا- آخر من تتعلم ..!!
:: المعلمة التي سمعت رنين الساعة الرقمية وإشتبهت في شكلها ورنينها ثم بلغت الشرطة لم تتجاوز قوانين بلادها ولم ترتكب خطيئة.. وتصرفها هذا يعكس حرصها على سلامة مدرستها وتلاميذها..فالحس الأمني – والإحساس بان الأمن مسؤولية الجميع – نوع من الوعي المفقود في مجتمع العالم الثالث ( والأخير طبعا)، ولذلك يستنكر هذا المجتمع اللامبالي تصرف تلك المعلمة المسؤولة عن سلامة المدرسة و تلاميذها.. فالمرء لايندم من الوقاية حتى و إن لم تأت الكوارث والأمراض، والمعلمة لم تفعل شئ غير ( الوقاية)..!!
:: وكذلك الشرطة، فأن إجراءاتها – و إن كان تقديرها خاطئاً – تؤكد مهنيتها وجديتها وسرعتها في التعامل مع المخاطر التي تهدد حياة الناس .. أحمد لم يدفع ثمن إختراعه لساعة رقمية (إعتقالاً) كما يتوهم البعض، ولكنه دفع ثمن الإنتماء لأمة صارت تُولد الإرهاب وتُفرخ التطرف وتوزعهما في (المجتمعات الآمنة)، حتى صار أي مسلم متهما بالإرهاب والتطرف حتى يثبت براءته .. !!
:: فالإرهاب فوبيا المصاب به الشعب الأمريكي – وغيره من شعوب الغرب – ليس بذنب أحمد، بل ذنوب الأنظمة والعشائر التي ينتمي إليها أحمد و(مليار أحمد).. هذه الأنظمة والعشائر العاجزة عن العيش في سبيل الله ثم قيم الحق والخير والعدالة ، وتظن أن الفضيلة في الشمولية والطائفية والتطرف والإرهاب .. وبلا حياء يناصرون أحمد ويثيرون صخباً، وكأنهم لم يزجوا به – وبكل المسلمين الأسوياء – في هذا المأزق ..!!
:: وبعد خطأ التقدير الشرطي، تجلت العدالة والحرية في أجمل صورها.. في أمريكا ذاتها، وليس في دول العالم الثالث ( و الطيش طبعا).. الرئيس الأمريكي يعتذر لأحمد تلميحا ويدعوه لزيارته في البيت الأبيض ويدعم عبقريته ويحفزها معنوياً، وكذلك الإعلام الأمريكي ينتقد التقدير الشرطي الخاطئ بمنتهى الشجاعة والنزاهة والحياد..لم يكابروا و(يخلوها مستورة)، ولم يناصروا الظلم بأكاذيب و (تبريرات وهمية)..ليس معيباً أن تخطئ إدارة مدرسة أو شرطة أو أي جهة بأي دولة، لكن المعيب للغاية هو أن يجد هذا الخطأ سلطة (تتبناه و تستره)، أو كما يفعلون في عالمنا الثالث و.. (الأخير خالص)..!!