تخمرت فكرة هذا المقال عندما اطلعت علي تقرير نشرته صحيفة الاندبندنت واسعة الانتشار
تتغزل فيه بالطفل أحمد محمد وبمواهبه الخطابية ومقدرته علي ابهار وسائل الاعلام بأفكاره التي عبر عنها بشجاعة فائقة وثبات منقطع النظير الأمر الذي يعكس مدي تماسك مكونات الطفل النفسية الذي حول هذه الحادثة الاليمة الي دافع جديد و الي مزيد من العمل والتميز وقد عبر عن ذلك بصورة واضحة عندما دعا كل من يستمع اليه الي أن لا يدع الاخرين يغيرون ما هو عليه، وطالب أصحاب الاحلام بالمضي قدما لتحقيق احلامهم بدون أن يلتفتوا الي المنغصات والمكدرات والملهيات، ولاشك أن كلمة (الحلم) لها وقع خاص في الوجدان الأمريكي، ليس فقط لأن (بلد الاحلام) هو اللقب المفضل الذي يحب قاطنوا بلاد العم سام اطلاقه علي بلادهم، وليس لأن (الحلم الأمريكي) هو المصطلح الغامض الذي ظل يلهم ويلهب الخيال الامريكي منذ أن أعتلي مارتن لوثر كنق المنصة وأطلق عبارته الخالدة (لدي حلم)، ليست هذه هي الأسباب الوحيدة التي ربما تجعل كلمات الفتي اليافع تدغدغ مشاعر ومخيلة اليانكي، ولكن أيضا لأن الأحلام هي ما جعلت أمريكا علي ما هي عليه، الأحلام التي تتخلق في الأماكن البعيدة علي أرض اللاممكن واللامعقول، ثم لا تلبث أن تولد بين الناس علي أرض الواقع وتمشي بينهم علي قدم وساق.
الطفل لديه تأريخ أسري تليد في الأحلام الرئاسية، فهاهو والده لم تمنعه المسافات البعيدة ولا الصعوبات شبه المستحيلة من أن يتصدي للاستحقاق الرئاسي في بلده الأم، تري هل يسير الابن علي طريق الأب! وقديما وفي زخم الحملة الانتخابية للرئيس أوباما وقبل أن تتعزز فرصته في الفوز، فاجأ كاتب أمريكي شهير الجميع عندما قال أن فوز أوباما هو مسألة وقت فقط لأن أوباما يستمد الحلم من أبيه والأصوات من أمه، ونحن في بلد، تعشق من يطاردون أحلامهم!!
المؤكد أن سطوة الاعلام في أمريكا أمر لا يختلف عليه اثنان، فهي بلد يفطر علي صحف الصباح ويتعشي علي نشرة المساء، وبينهما ما تيسر من فيسبوك وتويتر. وهاهي النجومية الاعلامية تأتي الي صانع الساعات الصغير بكل وهجها وهالاتها، ولاشك أن هذه النجومية ستبقي طويلا في المخيلة الأمريكية لأنها تعدت التوهج العابر و ضربت عميقا في جذور متشابكات المجتمع الأمريكي ذو التنوع الاثني والديني والثقافي الفريد والذي يمثل مصدرا للقوة و للمشاكل في وقت واحد.
الكثيرون قد يتساءلون عن سر الاهتمام غير المسبوق بقصة الطفل صانع الساعات، والاجابة أن الطفل لا يمثل حالة معزولة، بل يتعدي ذلك الي ترميز وتكثيف لكل المتناقض الأمريكي، فهو طفل ملون ومسلم وعربي، وهذه لوحة تمثل بدقة شديدة التنوع الاثني والديني واللغوي والثقافي الذي قامت عليه الولايات المتحدة الأمريكية.
السذاجة هي أن يتم اغفال الدور الخفي والكبير الذي تقوم به التحالفات الاقتصادية والعرقية والدينية في صناعة القادة في بلاد العم سام، ولاشك أن هذه التحالفات – وبدون الخوض في التفاصيل- ليست في صالح صانع الساعات الصغير، علي الرغم من أن تيار الزمن لا يعرف المسلمات الثابتة، ومن قبل كان هنالك إيمان راسخ بأن الرئيس الأمريكي لابد أن يكون من (الواسب) أي شخص أبيض انجلوسكسوني بروتستانتي، وظل هذا الايمان راسخا الي أن جاء الرئيس أوباما وأعاد تعريف الثابت والمسلم به في لحظة نادرة وفارقة من منعطفات تيار الزمن، فتري هل يفعلها أحمد محمد السوداني العربي المسلم مرة أخري و يغير أمريكا الي الأبد!!