٭ «مش ممكن يا إيمان «..كانت تلك العبارة الوحيدة التي دفعت بها وكيلة المدرسة الحكومية أمام توسل الطالبة الذكية .. لم تشفع دموع الطالبة ولا حتى تعاطف أساتذة المدرسة .. العرض كان مغرياً للطالبة التي يعمل والدها حارساً بأحد المصانع.. كل ما تطلبه إيمان كان مجرد شهادة خلو طرف حتى تتمتع بالمنحة الدراسية المقدمة من مؤسسة تعليمية خاصة تستهدف استقطاب تلاميذ نجباء لمساعدتها في سوق التنافس .. رغبة إيمان اصطدمت بقرار أناني وغير دستوري صادر من وزارة التربية بالخرطوم يمنع انتقال طلاب الصفوف النهائية لمدارس خاصة.. المنطق أن المدارس الخاصة عبر هذا الأسلوب تستطيع منافسة المدارس الحكومية.
٭ من ناحية ليست بعيدة كان وكيل وزارة الصحة الإتحادية يمهر خطاباً معنوناً للسيد مدير شرطة الجوازات يأمره بمنع سفر خمسة آلاف مواطن سوداني.. ملخص الخطاب أن وزارة الصحة أرادت أن تقطع الطريق أمام سفر عدد من الأطباء الذين دربتهم من حر مالها.. من ناحية أخلاقية من غير المقبول من طبيب أن يهاجر دون أن يكمل أركان عقد التدريب الذي يلزمه بالعمل لسنوات محددة بطرف المخدم الذي تكفل بنفقات التدريب.. لكن الأصح ألا تحجر وزارة الصحة على حرية تنقل مواطن كفلها الدستور بقرار إداري من موظف في الخدمة المدنية.. من المفترض ان تلجأ وزارة الصحة الإتحادية للطريق الطويل الذي لا يتنافى مع الدستور .. هذا الطريق من الممكن أن يمر بوزارة العدل .. إلا أن الأحوط أن يكون قراراً قضائياً.
٭ وليست وزارتا الصحة أو التربية وحدهما اللتان تخالفان الدستور.. فوزارة العمل أيضاً تنتهك حق الناس في العمل حينما ترفض شغل السودانيات لوظائف عمالة منزلية بالخليج.. الغريب أن الوزارة لا تمنع ذات الممارسة بالداخل .. بعض المؤسسات النظامية تشترط فيمن يريد خدمة الوطن أن يكون سودانياً مولوداًَ لأبوين سودانيين .. مدير جهاز الأمن الأسبق الفريق قطبي المهدي كان يحمل الجنسية الكندية، وأوضح في لقاء صحفي مؤخراً أن هذا الامتياز يسر له الحركة حول العالم .. الآن وحسب الدستور يمكن أن يحكم السودان مواطن من أم غير سودانية .. بل ربما تكون الحاجة ماسة لمزدوجي الجنسية للإمساك بملفات ذات خصوصية.
٭ في تقديري .. إن كثرة الانتهاكات الجسيمة للدستور سببها غياب الثقافة القانونية .. ومن ناحية أخرى التعقيدات التي تصاحب الطعون الدستورية، من تكلفة مالية ومدة تقاضي أطول تجعل الكثيرين يقبلون بالهوان الدستوري بدلاً من السير في طريق شائك وطويل..لهذا هنالك حاجة لجسم يقدم العون القانوني للمتضررين.. بل يساعد هذا الكيان على رصد الانتهاكات الدستورية التي تأتي أحيانا من باب الجهل بالقانون.
٭ قرات قبل أيام أن مجموعات سياسية توافقت على إنشاء مثل هذا الكيان الذي يهدف إلى توطيد حكم القانون.. المجموعات هذه التقت قبيل أسبوع في منزل الأستاذ عثمان ميرغني بأم درمان وتوافقت على اختيار الأستاذ ابراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني ليرأس المجموعة الجديدة.. الفكرة جيدة ولكن الاختيار لم يصادف أهله ..إبراهيم الشيخ سياسي يماثل نافع علي نافع في الحماس والاندفاع .. مثل هذه الجمعية تحتاج لشخص مستقل بخبرات قانونية حتى لا يتم تسييس المقصد.
٭ بصراحة .. الدستور في بلدي أصبح مثل صنم العجوة.. كل من يجوع (يقرم) منه جزءً، .. وفي ذات الوقت جميع الناس يقولون إنهم يحترمون الدستور ويبجلون دولة القانون.