دأب السودانيون على الإفراط في تناول المضادات الجوية بدون أي روشتات أو وصفة طبية، مما يعرض الناس الى المهالك والموت البطيء، حينما يشعر أي مواطن بالسعال أو الكحة فإنه يستخدم «الاموكدلاند» وهو دواء شراب منتشر بالسودان، فالأمر بات اعتيادياً كشرب الماء.
الفوضى ضاربة بأطنابها في سوق المضادات مما دفع وزارة الصحة الاتحادية الى التعجل في إقرار سياسة قومية لوصف المضادات الحيوية، وان كانت الخطوة برمتها متأخرة ولكن ان تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.
قنبلة موقوتة:
يصف وكيل وزارة الصحة الاتحادية د. عصام الدين محمد عبد الله المضادات الحيوية بالقنبلة الموقوتة ما لم يتم العمل على إبطالها من الخطر فإنها قطعاً ستنفجر وستكون وبالاً على مستوى السودان برمته، ويقول الوكيل ان سياسة وصف المضادات الحيوية ثم تبنتها على مستوى وزير الصحة الاتحادي، إلا أن هناك إشكالات كثيرة تحبط بها جهة تنفيذها باعتبارها شاملة وتعتمد على قضايا صعبة في النظام الصيدلي.
باستثناء الذرة:
يعترف وكيل الصحة الاتحادية بأن (99%) من المستشفيات لا يوجد بها نظام الصيدلة السريرية، ما عدا مستشفي الذرة في ظل انعدام الاختصاصيين الكافيين، ويرى عصام حتمية إيجاد المعالجة السريعة لمسألة انتشار المضادات الحيوية لاختصار الطريق، وان الأمر تتداخل فيه جهات عديدة كوزارة التعليم العالي.
ويلفت عبد الله النظير الى أن الوصفة الطبية وصرف الدواء للمريض تشكلان قضيتان أساسيتان، خاصة وأن البعض ينحى بالأئمة على الصيادلة وعدم التزامهم بالروشتة إلا أنه لم يعصم الأطباء من المسؤولية أيضاً، مشدداً على ان للمجلس الطبي والمؤسسات التعليمية دور كبير في هذه القضية وضرورة ان يكون هناك جهاز للمحاسبة وأن الأجهزة الموجودة لديها صلاحيات ولديها دور معقول من شأنه كبح جماح المضادات.
(57%) بلا روشتات:
يميط المستشار القانوني الأسبق للمجلس الطبي السوداني د. الخاتم الياس اللثام عن أن 75% من المضادات الحيوية تصرف بدون وصفة طبية. وأن الأمر يحتاج الى تنظيم وتدريب للصيادلة، ويشير الى أن السودان في ذات الوقت فقد كثيراً من المضادات الهامة، وأدى الى عدم توفر الرعاية الكافية للمريض وان المضادات الفاعلة قلت كثيراً.
البيطرة والزراعة خطر جديد:
ويدق الخاتم ناقوس الخطر تجاه استخدام البياطرة والمزارعين للمضادات مما يستوجب جلوس كافة الجهات للنظر في تلك المخاطر.
غياب الصيدلة الاتحادي:
ويشدد الأمين العام لمجلس الصيدلة الاتحادي بروفيسير محمد حسن إمام على أهمية سن قانون جديد وخاص بالمضادات الحيوية أسوة بضوابط الأدوية المخدرة التي طبعت في استمارات ووزعت على الولايات، لكنه تأسف بأن هناك ولايات لم تنفذ الأمر. ويقول إمام ان المضادات الحيوية هي أكثر الأدوية التي يتم استيرادها وتصنيعها داخلياً، وان الوقت قد حان لتحديد جهة تقوم بضبطها.
ويواصل أمين مجلس الصيدلة الاتحادي حديثه، لافتاً الى أن الدواء البشري لا ينفصل عن الدواء البيطري وان هناك كثير من المضادات تضاف لـ اللحوم والدواجن مما يستوجب الالتفات لها، مشيراً الى أن المجلس قام بإصدار تشريع جديد ولائحة لتنظيم الدعاية للأطباء والصيادلة.
ق.خ في قصف الاتهام:
القطاع الخاص لا يبدو بعيداً عن الملف، ويشير مدير إدارة الصيدلة بولاية الجر الأحمر د. ياسر البغدادي الى أن السودان يستورد كميات ضخمة من المضادات الحيوية مما يستوجب تحديد حاجتها وأن يكون استيرادها مقيداً، ويرى بغدادي ان المشكلة الكبيرة في المضادات الحيوية والقصور يتركز في القطاع الخاص وهو يحتاج الى ورش لتنظيم المسألة.
وتتفق مديرة مستشفي جعفر بن عوف المرجعي للأطفال د. أماني نوري في الرأي مع د. البغدادي، ونوهت بدورها الى ان المشكلة الكبيرة في العيادات الخاصة بالاختصاصيين وان المستشفيات الحكومية محروسة بنسبة 70% خاصة وان هناك لجان للأدوية في جميع مستشفيات الخرطوم.
لجان غير مفعلة:
وترى د. هدي محجوب بابكر من مستشفي القابلات امدرمان ان دور وزارة الصحة الاتحادية لضبط المضادات الحيوية ضعيف للغاية، وتختلف هدى في الرأي مع أماني نوري، كاشفة عن أن أغلب مستشفيات الخرطوم تنعدم فيها لجان الدواء وهي غير مفعلة تماماً.
وتشدد د. بت المنا حامد من مستشفي الذرة بالخرطوم على إلزام لجان الدواء بالمستشفيات بمتابعة تنفيذ سياسة المضادات الحيوية، باعتبار أن استخدامها صار كثيفاً للغاية مع حتمية الاهتمام بتعين كوادر الصيدلة السريرية بالمستشفيات لضمان جودة المضاد الحيوي.
الصيدلة تجارة:
ويصف مدير عام وزارة الصحة بولاية النيل الأزرق أمر المضادات الحيوية بأنه معقد للغاية وان أزمة المضادات الحيوية تفاقمت، وكل عام تزداد وصفاتها، وان هناك سياسات لضبطها، لكن نجد ان هناك عقبات في تطبيقها خاصة وان تجارة الدواء تأتي في المرتبة الثانية تسبقها تجارة السلاح وأضاف كل من يستخرج من أكاديمية الصحة يريد أن يفتح صيدلية، خاصة وأن الصيدليات صارت تجارة رابحة وان الدولة يجب ان تضع يدها على هذه المشكلة.
صعوبة السيطرة:
تؤكد مسئولة الرعاية الصحية بولاية الجزيرة د. هالة قاسم صعوبة السيطرة علي المضادات الجوية وقالت: أنا لا ألوم الصيادلة فقط بل ألوم الاختصاصيين والأطباء والمرضى والمجتمع أيضا مشددة علي ضرورة أعمال مبدأ المحاسبة وتفعيل البرتوكولات العلاجية مكررة حديث من سبقوها من أطباء بأن المشكلة الحقيقة في العيادات والمستشفيات الخاصة. أطباء جدد في مفترق الطرق تقول مصادر ان هناك بعض الأطباء الجدد ينقصهم الإلمام بعدة أنواع من المضادات الحيوية مما يستوجب إدراج المضادات الحيوية في مناهج كليات الطب.
مساعدين طبيين في مهام الصيادلة:
وترفض إدارة الصيدلة الاتحادية تحميل الصيادلة مسؤولية التقصير في ضبط المضادات الجوية، كاشفة عن موجهات تصدر قريباً للممارسات الصيدلانية وسياسة أخرى لضبط التداوي بالأعشاب.
وتميط إدارة الصيدلة الاتحادية اللثام عن أن هناك ولايات كولاية نهر النيل تعاني مشافيها من نقص الصيادلة، ويدير أمر الدواء فيها مساعدين طبيين، وان هناك غياب للهيكل الوظيفي للصيادلة بالولايات، وان السياسة الجديدة تلزم الصيادلة، العمل بالروشتات وان أي صيدلي لم يعمل بعد تطبيقها بـ(مزاجه).
مشاكل وصف الدواء:
يطالب مدير الصندوق القومي للإمدادات الطبية د. جمال خلف الله التأمين الصحي بضرورة الالتزام بسياسة المضادات الجوية لأنها تشكل 40% من أدوية قائمة التأمين، مشدداً على ضرورة منع بيع المضادات الحيوية من غير روشتة، واقر خلف الله بوجود مشكلة في الوصفة وصرف الأدوية. 60% من الدواء المستورد مضادات حيوية: ويقول ممثل مجموعة صيدليات علياء ان الصيادلة هم سبب مشكلة عدم السيطرة علي المضادات الحيوية وان 60% من الأدوية المستوردة عبارة عن مضادات حيوية 90% نوعين يركز السودان على استيرادها منها عقار «الاموكلاند» الذي يستخدمه السودانيين بإفراط، ويشير ممثل مجموعة علياء الى أن المضادات صارت أدوية (بزنس) وفيها حوافز لأنها تدر أرباحا كبيرة وتباع سريعاً قائلاً أن ضاحية نمرة (2) بالخرطوم تمثل ملجة سوق الأدوية، وان صاحب الربح السريع يركب سيارة ماركة «سنتافي» الفارهة.
صعوبة تنفيذ السياسة:
يرى الخاتم الياس ان هناك صعوبة في تنفيذ سياسة الوزارة القومية بوصف المضادات الحيوية في 420 مستشفى منتشرة بالسودان. في ظل غياب الوصف الوظيفي الواضح للصيادلة بالوحدات الطبية وان الصيدلي بات خط الدفاع الأخير.
صحيفة الوان