ترسل الولايات المتحدة الأمريكية وفداً رفيعاً برئاسة المبعوث الخاص للرئيس “أوباما” ووفداً آخر يضم مستشار الرئيس للحريات الدينية، وتحتضن قاعات وزارة الخارجية حواراً (سرياً) وفق رغبة “واشنطن” بين السودان وأمريكا، وتصف الإدارة الأمريكية هذا الحوار بأنه (نادر)، وقبل أن تفرغ حكومة السودان من جمع أوراق (الحوار النادر) ومذاكرتها، يتلقى مندوب الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان بـ”جنيف” توجيهاً واضحاً من رئاسته بالسعي الحثيث وحشد (لوبي) قوي لمحاصرة السودان وإدانته وإعادته إلى مربع تجاوزه في مجال حقوق الإنسان !!
على من تضحك أمريكا، على حكومتنا .. أم على شعبنا أم على نفسها في عصر لا مجال فيه للأسرار ولا حصن فيه آمن للمعلومات ولو في أضابير المخابرات!!
غالباً تضحك أمريكا على نفسها وشعبها وتحاول إرضاء يهودها، فتخسر كل يوم مصالحها في بلد كبير ومهم مثل السودان .
حاصرت أمريكا السودان عشرين عاماً، فقدت خلالها امتيازات شركاتها في مشروع البترول، فكسبتها “الصين” وجنت مليارات الدولارات من تمددها في كل السوق السودانية، كجزء من تمددها السياسي والاقتصادي في كل القارة الأفريقية.
انسحبت أمريكا، وخرج البترول ولم يسقط النظام في الخرطوم .
ثم ضيقت أمريكا الخناق على السودان ترغيباً وترهيباً لتوقيع اتفاق سلام في جنوب السودان تمهيداً لفصله عن شماله، وكانت تظن أنها ستؤسس دولة نموذجاً، ووطناً ثانياً للاستثمارات الأمريكية، فلم تقبض غير السراب !!
انفصال (جنوب السودان) وانهيار الدولة خلال عامين من الاعتراف بها دولياً، يمثل أكبر دليل مفتوح ومتاح على خطل السياسات الأمريكية ورعونة المسؤولين عن صناعة القرار في الدولة الأقوى في العالم !!
ساذج من يقول إن أمريكا سعت لانفصال (جنوب السودان) وهي تعلم يقيناً أن الدولة الوليدة ستذهب سريعاً إلى الحريق والدمار والقتل الجماعي المتبادل لآلاف البشر بين الرئيس “سلفا” و نائبه “مشار” بينما الاثنان من صنائع الغرب !!
هل دعمت أمريكا وصويحباتها في أوربا خيار انفصال الجنوب، لكي يموت شعب (الجنوب) بالجملة في عام (واحد)، كما لم يمت في حرب (الخمسين عاماً) مع السلطة المركزية في (الشمال) ؟!
بالتأكيد لا .. فلا أمريكا الكنسية البيضاء، ولا أمريكا الصهيونية القابضة، ولا أمريكا العنصرية (السوداء) المناصرة للجنوبيين ضد (العرب المسلمين) كانت تظن أن حال (وليدهم) سيكون بهذا التشوه المريع !! إذن أين كانت مراكز ومعاهد الدراسات الإستراتيجية في الدولة الأعظم ولماذا توهمت غير ما كنا – نحن في صحافة الخرطوم – نعلمه مقدماً ونبصم عليه بالعشرة .. الحرب القبلية التي لا تبقي ولا تذر ؟!
أمريكا .. هذا الكيان الأسطوري العجيب خرج ذليلاً كسيراً بمعظم ترساناته من “أفغانستان”، ثم دخل “بغداد” وغادر بعد سنوات منسحباً تاركاً دولة (شبحاً) حيث لا دولة الآن في “العراق”، وتمرغ (المارينز) في وحل “الصومال” وأصبحت بلداً وحقلاً منتجاً للجماعات الأصولية المتطرفة، ثم هاهو يموت الأمل في جنوب السودان .
لست مؤمناً بفكرة أن أمريكا فعلت كل هذا في نفسها وضد مصالحها، وهي تقصد ذلك (نظرية التقسيم) وخرائطه المبعثرة . ماذا تكسب أمريكا من ضم جزء من الأردن للسعودية، وجزء من مصر للسودان، رغم أن السعودية والأردن ومصر حلفاء لأمريكا وعلاقاتها معهم سمن على عسل، فلم تهدد استقرار حلفائها من أجل تعديل الخرائط ؟
إنها نظرية مؤامرة لا تقف على ساقين .