احتفلتُ بالأمس هنا بعملية (توطين وظيفة مدير عام مصلحة الأراضي) وتعيين – ربما لأول مرة في تاريخ المصلحة الحديث – أحد أبناء الأراضي مديراً عاماً هو السيد محمد الشيخ، بعد ما كان يُستقدم المديرون لها من ديوان النائب العام، فلئن كان هناك نجاح ينسب لديوان النائب العام، ولئن كان هنالك إخفاق تتحمل وزره مصلحة الأراضي، التي كما لو أنها تحتاج الآن إلى ما يشبه عمليات (إعادة الثقة والسمعة) في عهدها الجديد الذي يديره أبناؤها الخلصاء ..
* ذهبت في مقال الأمس في ركائب أن مصلحة الأراضي في جمهورية ولاية الخرطوم بمثابة مضغة القلب في الإنسان، إن صلحت هذه (المضغة المصلحة) صلح سائر جسد حكومة ولاية الخرطوم و.. و..
* غير أن ثمة شيئاً آخر هو أعظم خطورة، فكثيرا ما أشفقت على الحكومة برمتها من مواطن بسيط يطلب خدمة بسيطة في المصلحة، طفق يهرول شهوراً بأكملها بين مؤسساتها في المقرن والمجاهدين والأحياء والمحليات، أشفقت على الحكومة والبلد برمتها، لو أن هذا المواطن الأشعث المغبون رفع يديه إلى السماء!! فعلى الأقل هناك كثير من المعاملات في هذه المصلحة تحتاج الخطوة الواحدة فيها إلى شهور، يحدث هذا في أزمنة التقنية وعصور الحوسبة التي أصبح فيها (حمل الملفات بين المؤسسات) شيئاً من الماضي، والمدهش أن مصلحة الأراضي درجت منذ وقت طويل على إرسال منسوبيها لتلقي كورسات في دولة الأردن الشقيقة، وهؤلاء ينقلبون مبهورين بخدمة (النافذه الواحدة)، أن يأتي طالب الخدمة إلى نافذة الأراضي ليسلم الملف والمستندات، وليتحرك الملف عبر التقنية بين الجهات ذات الصلة، ثم يتم الاتصال في نهاية المطاف بطالب الخدمة ليسدد الرسوم ويرفع يديه إلى السماوات، ليبارك الله في المصلحة والبلاد والحكومات.
* وحتى أكون منصفا، فهناك مجهود جبار بُذل في حوسبة الأراضي وإدخال حتى مخططات تنظيم القري في البرمجة والتقنيات، إلا أنه لا يزال ينتظر المصلحة للوصول إلى (النافذة الواحدة) بعض المجهودات، التي عبرها يتم اختصار الإجراءات وتوفير الوقت واستحقاق الدعوات الصالحات و.. و..
* وتحضرني قصة أثيرة في هذا السياق، جاءني ذات يوم طبيب صيدلي يحمل أربعة أحكام قضائية لصالحه، وذلك في نزاع على قطعة أرض مع آخرين بمنطقة شرق النيل، ومن ضمن الأحكام حكم صادر من المحكمة العليا، غير أن مصلحة الأراضي لم تعترف بتلك الأحكام مجتمعة، التي أنفق الرجل سنينا بأكملها ليتحصل عليها، فقال لي، اليوم أتيت إلى الصحافة وغدا سأذهب إلى الأمم المتحدة !!
* فكتبت يومها رسالة بقضية المواطن إلى مدير عام المصلحة، والحق يقال إن مولانا عصام عبدالقادر في خلال يومين فقط تمكن من جمع الخصوم ومدير أراضي شرق النيل وأهل الاختصاص، وفي جلسة ثورية واحدة ووفق البيانات والمستندات والأحكام، قد أصدر مولانا عصام حكماً جريئاً لصالح المواطن الصيدلي واضعاً نهاية لقضية أنفق صاحبها سنيناً بأكملها، وأنا أكتب هذه الواقعة وأتصور أن هنالك نزاعات أخرى مضت عليها السنون في أضابير الأراضي، تحتاج في المقام الأول والأخير إلى عمليات (إصلاح قانوني)، فالعلة في اللوائح التي تنظم هذه المهنة وجيل من البروقراطيين الذين إن تحول القانون، يحتاجون في المقابل إلى مزيد من الوقت.. وليس هذا كل ما هناك.