لم يجد السيد الصادق المهدي غير أن يتبع حرفياً توجيهات مولانا ميرغني المبروك رئيس القضاء وقتها.. مولانا كان أعلن عن دخول القضاء في إضراب مفتوح بسبب إهانة وجهها وزير شؤون الرئاسة لقاضٍ صغير.. تفاصيل الحادثة أن مولانا عبد الله أحمد عبدالله الذي يصبح لاحقاً رئيساً للمحكمة الدستورية ثم يقدم استقالته.. مولانا هذا كان قاضياً صغيراً أنيطت به مهمة مراقبة مظاهرة لمجلس الوزراء.. صلاح عبدالسلام الخليفة تعامل بشكل غير لائق مع القاضي الشاب.. اضطر الإمام أن يوقف عربته خارج القضائية ثم يترجل ليقدم اعتذاراً لقضاة السودان. أمس الأول اقترح الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير الشقيقة التيار أن تقدم المحكمة الدستورية ضمانات لقادة الحركات المسلحة الذين من المفترض أن يزورا الخرطوم للمشاركة في فعاليات الحوار الوطني.. أستاذ عثمان أراد الاستثمار السياسي في مصداقية القضاء السوداني لتحقيق منفعة عامة. قبل أن يجف مداد مقترح رئيس تحرير التيار كانت المحكمة العليا تؤيد حكماً بالإعدام شمل عدداً من قادة الجماعات المسلحة من بينهم ياسر عرمان ومالك عقار في أحداث معارك النيل الأزرق.. رغم أن قرار المحكمة لا يتسق مع أحوال الطقس السياسي الذي يميل إلى التهدئة والتصالح إلا أن القرار يجب أن يجد الاحترام..القضاء يحكم وفق أدلة وبراهين وقرائن ليس من بينها المزاج السياسي..القضاء يجب أن يكون مؤسسة مستقلة تدير شأنها بعيداً عن الضغوط والتقديرات السياسية.. المتضرر من أي حكم لديه فرص أخرى للاستئناف لمستويات عليا. في تقديري.. أن الزج بالمحكمة الدستورية في تقديم ضمانات عمل يفتقر للرشد السياسي ويصادم الوجدان السليم.. بل من المتوقع أن يتقدم أي متضرر من أعمال عسكرية كانت الحركات المسلحة طرفاً فيها للقضاء بطلب للقبض على زوار الخرطوم.. بل إن هنالك من يرى أن رئيس الدولة ليس من حقه أن يتنازل من الحق الخاص وأن مساحته في العفو لا تتجاوز الحق العام.. تقريباً للمسألة نفترض أن أسرة فقدت ابنها الشاب بسبب هجوم حركة العدل والمساواة على أم درمان في صيف العام 8002 هل من حق هذه الأسرة أن تفتح بلاغاً وتطلب القبض على من تراه مسؤولاً عن إراقة دم ابنها. في تقديري .. على الحكومة أن تسلك طريق القانون في تدبير ضمانات لحملة السلاح.. أن تفعل ذلك دون أن تصطدم بالقضاء.. مثلاً إصدار عفو رئاسي عام.. أو أن تتوكل الحكومة على الحي الدائم وتشد الرحال إلى بلد خارجي دون الحاجة إلى هذه الضمانات .. وبعد نجاح الحوار تبحث عن آلية شاملة للعفو والتصالح. بصراحة.. على أستاذنا عثمان ميرغني وهو مازال ينظر إلى حزب جديد يملأ الساحة عدلاً أن يحترم نظرية الفصل بين السلطات التي تواضع عليها العالم المتحضر.. من المهم جداً أن تكون السلطة القضائية فيصلاً في الخصومات لا وسيطاً في المعادلات السياسية.