الأخ عثمان ميرغني كان محقاً حين قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخدم قط مصطلح (إسلامي) ولكن أود أن أسأله هل كان هناك في زمن الرسول الخاتم مصطلح (علماني) المضاد والمواجِه لمصطلح إسلامي؟ وسؤال آخر هل كان هناك انتماء لأي من المذاهب التي نشأت بعد ذلك؟ هل كان هناك مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية ثم هل كان هناك مذاهب سنية وأخرى شيعية أم أن ذلك كله نشأ جراء التطور التاريخي الذي أملته الصراعات السياسية والاختلافات الفقهية والفكرية؟.
كان من الطبيعي أن يحدث الفرز بين اتباع مالك والشافعي وينتسبون إلى الإمامين الجليلين بالرغم من أنهم جميعاً مسلمون وكذلك الحال بالنسبة لمن تبنوا الإسلام كمشروع توحيدي شامل في مواجهة من تنكّروا له وتبنّوا مناهج فكرية أخرى مضادة ولم يكتفوا بذلك إنما شنوا هجوماً كاسحاً على الربط بين الإسلام والسياسة وأطلقوا على المشروع الفكري المتبني لشمولية الإسلام مصطلح (الإسلام السياسي) وبلغت بهم الجرأة أن ينتقدوا ويعلنوا الحرب جهاراً نهاراً على ما يُنسب إلى الاسلام وهو السياسة!.
إذن فإن مصطلح (إسلامي) جاء نتيجة طبيعية للتفريق بين المدرسة التي تتبنى الإسلام كنظام شامل للحياة: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، وبين مدارس العلمانيين المتأثرين والمستلبين والمنبهرين بالحضارة والثقافة الغربية التي حشرت الدين داخل جدران الكنيسة وتركت بقية شعاب الحياة للسلطان وفات على ربائب الثقافة الغربية أن الإسلام يوحد الحياة كلها لله رب العالمين وأن مالك الملك سبحانه شدّد النكير على من يؤمنون ببعض الكتاب (الشعائر التعبدية) ويكفرون ببعضه (آيات الحكم والسياسة والاقتصاد وغير ذلك)، “أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”.
أرجو أن أبيّن أن مصطلح (إسلامي) لم يطلقه الإسلاميون وحدهم ليتميزوا به عن العلمانيين إنما أطلقه عليهم كذلك حتى خصومهم من العلمانيين والغربيين بعبارة (Islamists) وكل مسلم يعتبر إسلامياً سواء علم أم لم يعلم ما لم ينتمِ إلى تيار أو حزب علماني ذلك أن المسلم العادي يوحّد الأمر كله لله، ولذلك فإني أعتبر حزب الأمة القومي الذي يتبنى الإسلام منهج حياة حزباً إسلامياً متبنياً لمشروع إسلامي اسمه مشروع الصحوة، وللإمام الصادق المهدي رؤية نقدية معتبرة في مواجهة العلمانية.
هناك ثلاث نقاط تحتاج إلى بيان أختصرها فيما يلي: إن الرسول الخاتم وخلفاءه الراشدين كانوا هم الحكّام ولم يكن أحد يشاركهم الحكم وحتى بعد انهيار الخلافة الراشدة لم يكن الأمويون والعباسيون يحكمون إلا بالإسلام رغم أنها شريعة منقوصة، أما آيات الحكم والسياسة بين دفتي المصحف فهي كثيرة ويكفي ” وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا”.
ثانياً لا ينبغي أن يحسب الشانئون المعادون للإسلام سياسياً واقتصادياً المشاريع الفاشلة التي أقامها المنتسبون للمشروع الإسلامي حجة على الإسلام فالمسلم العاصي ينبغي أن يحاسب على عصيانه، أما الإسلام فبريء مما يفعل.. أقول ذلك وأنا ألحظ كيف فرح المعادون للمشروع الإسلامي بفشل مشروع الإنقاذ في السودان في تنزيل الشعارات الإسلامية التي رفعها منتسبوه، ولكن ما فضح زيف ادعاء هؤلاء تطفيفهم للميزان حيث تبيّن بغضهم للإسلام ودعاته فهم يجعجعون بالديمقراطية ويتشدقون بولعهم بها إلا حين تأتي بالإسلاميين كما حدث في مصر التي أيدوا انقلابها لأنه أزاح الإسلاميين رغم أنهم جاءوا إلى الحكم عن طريق الديمقراطية.. ذلك يوهن الثقة في مستقبل العلاقة مع هؤلاء ولن ينسى الإسلاميون صنيعهم هذا ما لم يصححوا موقفهم.
ثالثاً: أقول للعلمانيين الذين يبدون إعجاباً بأردوغان في تركيا وبراشد الغنوشي في تونس بأن هؤلاء أسلاميون من أنصار ما تسمونه الإسلام السياسي الذي تبغضون وهم يعبرون عن مدارس فكرية مختلفة كلها تنهل من ذات النبع ويختلفون عن بقية المدارس الإسلامية في الوسائل ويتفقون معها في الهدف الذي نحوه يركضون فراراً إلى الله مسترشدين بسنة التدرج التي أخذ بها الرسول الخاتم الذي كان يصلي نحو بيت الله الحرام الممتلئ في بدء الدعوة بالأصنام لكنه أزاحها يوم فتح مكة وهو يردد (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
مع تحياتي للأخ عثمان ميرغني الذي أقول له إن اختلافنا لن يفسد ودنا إن شاء الله تعالى.