في إفاداته للزميل “عقيل أحمد ناعم” قال السفير البريطاني في حوار دسم وجرئ إن السودانيين هم المسؤولون عن مشاكلهم وليست بريطانيا، والاستعمار قد خرج قبل ستين عاماً من السودان !! وحديث الرجل الدبلوماسي بالتأكيد لا أصنفه في خانة من يدافع عن بلاده بل أصنفه بأنه الحقيقة الموجعة التي نتهرب من مواجهتها ونرفض الاعتراف بها، إذ أنه ليس منطقياً أن نظل نحمل الاستعمار مسؤولية التردي الذي وصلنا له وكأنه الشيطان الأكبر ونحن الملائكة الصغار، لأنه لو افترضنا جدلاً أن بريطانيا صبت فينا جازاً وأشعلت الحريق وتحولنا إلى رماد تذروه الرياح، فإن الستين عاماً الماضية كانت كفيلة بأن تجعلنا كما (طائر الفينيق) الذي ينتفض من تحت الرماد، لكن للأسف كل النخب السياسية التي عاست في صاج السياسة الملتهب لا تريد الاعتراف بأنها السبب في ما أكله الشعب السوداني، مسببين له الفقر والأنيميا وحرق الدم، والمصيبة أن بعضها لا يريد أن يتنازل عن قناعاته ويعتقد أن اليوم كما الأمس، مصراً على التمسك بالولاء القديم والتبعية القديمة والأفكار تغيرت والأيديولوجيات تحولت، ومن كان يصدق أن شباباً زي الورد يبيع الوراهو والقدامو ليلتحق (بداعش) مؤمناً بالفكرة ومنفذاً للأيديولوجية. مستحيل أن نحمل أحداً نتائج الأخطاء التي ارتكبت في حق الشعب السوداني، ورؤساء الأحزاب التقليدية أو حتى الأنظمة التي جاءت على ظهر الدبابة، ترفع يدها عن المشاركة في هذه الأخطاء وأوجه القصور التي جعلتنا ندور في ذات النقطة في وضعية الرجوع إلى الخلف!! نعم ستون عاماً كانت كفيلة بأن يبرأ الجرح ويتعافى الجسد لكن للأسف ظل الجرح ينفتح كلما ظننا أنه على وشك أن يبرأ، وظل الجسد يتألم رغم المسكنات والمهدئات التي ما عادت تكبت الوجع والأنين!! مستحيل أن نتعافى وفي القلب ضغائن أو في النفوس مآرب ومصالح لن ينهض الوطن ما لم نتخلص من أغلال الماضي، أولاً بالاعتراف بها لأنها الخطوة الأولى في سبيل أن نصل إلى كلمة سواء. خلونا نغسل الدواخل من مرارات الماضي التي ربما يؤطرها البعض بشكل شخصي أو فردي، لكنها تتعاظم وتتكاثر لتصبح ضغائن شعب ومرارات أمة تجاه من يحكمونها. كيف نصل إلى مرحلة أن نتخطى جراحات النفس لنعالج جراحات الوطن وشخص لا أدري كم مثله هل هو عشرات أم أنهم مئات أم هم ألوف كـ”فاروق محمد إبراهيم” الذي تجرد من سرية كبت الإحساس بالظلم، وقال إنه موجوع لأن دكتور “نافع علي نافع” وهو أحد أركان هذا النظام المهين أقله حتى وقت قريب قد تعرض له بالاعتداء الجسدي واللفظي منا (عَلم) جواه بشكل لا ينسى. والرجل لم يطالب بمحاكمة أو قصاص هو فقط طالب بفضيلة الاعتذار والكلمة من ثلاثة حروف (آسف) كفيلة بأن تغسل المئات من حروف الإحساس بالقهر وظلم ذوي القربى، والشعب السوداني معظمه من ذات طينة أخينا “فاروق” لا يطالب بمقاصل ولا مشانق فقط كلمتي اعتراف واعتذار لنضع جميعاً الماضي خلف ظهورنا ونبدأ بناء الوطن بيد واحدة وإرادة واحدة، والمشكلة أن النخب السياسية التي تدعي أنها تقود مصائر الغبش لم تتعظ أو تتعلم من الدروس المكررة لتقع في ذات الأخطاء وذات المواقف، وهي أبداً لن توفر الحل طالما أنها جزء أصيل من المشكلة. وعليكم الله بريطانيا دي فكوا سيرتها لأنه خففتوا ليها ما يكفي من الذنوب لدرجة تدخلها الجنة بلا حساب.
كلمة عزيزة
اتصل علىَّ أمس مواطن صالح يشكو لطوب الأرض كيف أن محرقة للإطارات ضخمة تقع في المنطقة ما بين السامراب والعزبة، مدينة نبتة، هي عبارة عن حوش، جزء من مزرعة كبيرة، نصبت بداخله محرقة لحرق الإطارات. وطبعاً اللافت في الأمر كمية الدخان الذي يخرج منها ليعتم سماء هذه الأحياء مسبباً خطراً صحياً داهماً، لا سيما وأن هذه الإطارات تحرق في درجة حرارة لا تقل عن (180) درجة مما يجعل من (الهباب والسكن) الناتج عنها ملاذه الآمن هو صدور الأطفال والرضع الذين يسكنون هذه المنطقة.
على فكرة العمالة الرائجة في هذه المحرقة هم للأسف الشديد من الأطفال اليفع الذين رمت بهم الأقدار لهذا العمل الخطير على صحتهم، وهم بالتأكيد ما رماهم على المر إلا ما هو أمر منه فقراً أو يتماً. القصة بأكملها نهديها للسيد “عمر نمر” رئيس المجلس الأعلى للبيئة حتى يضع نقطة على سطر معاناة سكان هذه المنطقة.
كلمة أعز
جاء في الأخبار أمس أن السلطة الإقليمية تشكو من نقص الأطباء في إقليم دارفور وهو لعمري وضع غريب والحكومة تفتح الجامعات لدراسة أبناء هذا الإقليم وفق (معايير مخففة) باعتبار أنهم من مناطق شدة، ذات المعايير يفترض أن تجعلهم مجبرين للعودة للمساهمة في علاج أهلهم مش يستلموا شهاداتهم ويبحثوا عن العمل في الخرطوم والمنظمات!!