* أصبحت الخرطوم ماهرة جدا في استخدام ما بيدها من أوراق في (لعبة الدبلوماسية) الإقليمية منها والعالمية، على أننا احتجنا لنمشي رحلة مضنية امتدت لربع قرن من الإنقاذ، لندرك أن القصة برمتها (قصة مصالح) وليس قصة عواطف، فليس بالنوايا الطيبة يمكن أن تجد لك موطء قدم في عالم كما لو أنه غابة مليئة بالذئاب المفترسة، وأحداث كثيرة وخطيرة مرت من تحت الجسر قبل أن نستوعب الدرس، غير أننا الآن أصبحنا أكثر قدرة على توظيف ما بأيدينا من كروت ومفاتيح، وترفدني في هذا السياق المواقف الآتية:
* كل القراءات كانت تقول إن وصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى السلطة، سيعيد ﻻ محالة علاقة الخرطوم بالقاهرة إلى أسوأ حالاتها، على افتراض أن سعادة المشير قد نهض أصلا لمحاربة جماعة الإخوان المسلمين في دولة المنشأ، وفي المنطقة برمتها، ويذكر في هذا السباق جريرة (التخابر مع حماس)!! على أن (حكومة الخرطوم) في المقابل ذات جذور إخوانية يجب عدم التعاون والتخابر معها، وبالفعل بدأت حملات إعلامية عارمة لخدمة أحياء (ملف حلايب)، خميرة العكننة التي يلجأ إلى استخدامها حسب الطلب والحاجة !!
* فجأة استدركت الخرطوم بأن للرجل السيسي ذنباً طويلاً تحت أرجلها، نهر النيل، على أن هذا الذنب مهدد من الجارة إثيوبيا بسد النهضة، والقدرة الإلهية وحدها هي التي جعلت معظم أوراق اللعبة بيد الخرطوم، الذنب مقابل حلايب وحسن الجوار، حتى الآن الخرطوم تدير ملف المياه التي هي الحياة للبلدين الشقيقين بكفاءة ودربة باهرتين !!
* من جهة أخرى، قد كلفت مواقف الإنقاذ، تحاه جيرانها في الخليج والجزيرة العربية غاليا في بادئ الأمر، فكما لو أن قناة باهظة التمويل مثل قناة العربية، لم تنهض إلا لصناعة الحملات المدعومة المخدومة ضد السودان!! فلم تصدق الخرطوم أن العناية الإلهية قد بعثت في الوقت الصاح بالجماعة الخطأ، جماعة الحوثيين، فكانت عملية (عاصفة الحزم) كما لو أنها طوق نجاة للخرطوم، وهي تصبح الكتف بالكتف والحافر بالحافر مع الدول العشرية في مواجهة الأطماع الإيرانية، فأسقط في يد العربية وأخواتها من القنوات الفضائية، بحيث أصبح ممنوعاً ملكياً ذكر الخرطوم (لا بالخير وﻻ بالشر) !! مع الحوافز والمنح وتدفقات استثمارية نحتاج حتى الآن جدارة توظيفها بالصورة المثلى !!
* هذا هو المفتاح الحقيقي والمنطقي لقراءة عمليات استدراج الصخرة الأفريقية الباهظة للخرطوم، وأعني الزعيم الأفريقي موسيفيني.. وهو العدو الأشهر للسودان خلال العقدين الماضيين، كيف حدث ذلك لدولة لم تعد جارة (الحيطة بالحيطة) بعد انفصال دولة الجنوب !!
* الخرطوم كالعادة استخدمت أوراقها بمهارة في هذا الملف، الذي هو بامتياز ساحة دولة جنوب السودان الفاشلة، فالزعيم الأفريقي صاحب الثقة والثقل الغربي الأوفر في القارة السمراء، قد فعل المستحيل لنصرة السيد سلفاكير على حساب خصمه اللدود مشار، غير أن كل المفاتيح التي استخدمها الرجل بما في ذلك التدخل العسكري المباشر، كلها لم تنجح في نصرة دولة الدينكا، ليكتشف الزعيم الأفريقي العريق إن أحد المفاتيح المهمة جدا للحل يوجد في الخرطوم !! عذرا أيها الرفيق الكبير.. فالقصة يجب أن تبدأ من هنا.. من الخرطوم.. ونتمنى لك زيارة موفقة ومباحثات ناجحة فقط عليك تسديد بعض الاستحقاقات !!
تصبحون على خير