أراضي الفشقة.. وصحن القراصة

الجيران يمكن أن يجاملوا بعضهم البعض في الكثير من التفاصيل والقضايا المشتركة ما عدا قضايا الحدود وتفاصيلها وخلافاتها ذلك لأن المجاملة في قضايا الحدود هي إقرار عملي بالهوان والصمت أمام رغبات أنانية من الدولة الحدودية الصديقة أو العدوة لا فرق – حين تكون القضية قضية حدود – لأن من يتعدى على حدودك من الجيران لا يتعدى عليها حين يتعدى وهو حريص على علاقاته معك ولا يتعدى عليها بحسن نية إطلاقاً، ومن يتعدى على حدودك من الجيران كأنه يستكثرها عليك ويفضلها لنفسه بعد أن تغلب عليه الأنانية فلا يستحق منك المجاملة في هذا الأمر تحديداً.. لذلك كان اسمها (الحدود) ذلك اللفظ الواضح والقاطع المعنى.
حتى تلك الخلافات الحدودية التي تنشأ بين الدول حول مناطق غير واضحة الانتماء الجغرافي – ومهما تكن حميمية وعمق علاقات تلك الدول المختلفة على الحدود – لكنك تجدها دائماً متمسكة بموقفها بكل وضوح واستعداد للمواجهة لاسترداده كحق سيادي لا يتحمل الخضوع لأية معادلات سياسية أو دبلوماسية.. لا نعرف دولة تسمح باستباحة حدودها والتعدي عليها ولا نعرف دولة تتنازل عن حقها الذي تعتقد به في الأرض أو تجامل فيه جارتها لأن فرصة المجاملة بينهما متساوية بنفس الدرجة فلماذا تجامل هي جارتها وليس العكس؟.. لماذا تتنازل هي ولا تتنازل الدولة التي تمثل الطرف الثاني في الخلاف الحدودي..
ليست هذه اللغة التي أكتب بها تعبر عن أية مواقف محددة تجاه دولة بعينها في الشمال أو الجنوب.. فنحن (ما شاء الله) دولة شاذة في مجاملاتها الحدودية.. نعطي خاطراً لجارتنا في الشمال (مصر) على حساب أرض السودان ونراعي لعلاقاتنا معها في الملف الحدودي من طرف واحد حتى مددت رجليها بالكامل واحتلت حلايب وشلاتين بمنهج (وضع اليد).. ونمنح الآن جارة الشرق وصديقتنا التي ليس هناك شك في مواقفها الطيبة تجاه السودان ويمكن أن نعطيها عيوننا لكن لا نعطيها حدودنا أو نتنازل لها عن أي شبر من أرض الفشقة السودانية..
ما هذا الهوان؟.. هل نحن مجاملون لهذا الحد؟.. وكيف يتخيل جيراننا أرض السودان على أنها مثل صحن (القراصة) في وليمة مفتوحة، ليمد كل واحد منهم يده ليتناول لقمته من جهته التي يجلس فيها.. هذا غير مقبول يا سادة وسيتحقق بالتأكيد ما كتبه الزميل الأستاذ عبد الباقي الظافر في مقاله أمس بآخر لحظة تحت عنوان (من سيخسر المليون) مشجعاً والي القضارف على المضي في استعادة مليون فدان من الأراضي السودانية عالية الخصوبة في الفشقة تسيطر عليها الحكومة الإثيوبية.
رضينا بأن يأتي الجنوب بماعونه المغبون ليطلب منحه ثلث (صحن القراصة) هذا لأنه يرغب في الأكل لوحده فمنحناه له وكأنه إقرارٌ ضمني من جانبنا بأن صحن السودان مفتوح ومتاح لإطعام الجيران، ليتسابقوا بعد ذلك إليه وينقضوا عليه..!!
كثيرون ظلوا يراسلونني عبر الإيميل يشيدون بشوكة الكرامة اليومية حول حلايب وشلاتين ثم يطلبون إضافة (الفشقة) ونحن نعتبر أن اختيار حلايب وشلاتين يتضمن رمزية الرفض القاطع والمعمم بعدم التنازل عن أي شبر من حدود بلادنا.. سنظل نذكرهم يومياً بها حتى لا نستيقظ على وطن عبارة عن لقمة واحدة متبقية موجودة في الخرطوم يتعازم عليها الجيران بالتماس البركة (أحسن الصحن)..!
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

Exit mobile version