“أصبر لجهلك إن جفوت معلما” عبارات توضح عظمة المعلم الذي بنور علمه تمحى الظلمات، وغيابه يقود إلى غياب الأمم ورقي الحضارات، فضلاً عن غياب القيم والأخلاق وتعزيز المكانات.
لذا قال الإسلام في حقه: “… يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ…)، مع ذلك كادت تختفي – إن لم تكن اختفت بالفعل – هيبة المعلم أمام الطلاب لاسيما في المجتمعات، ولم يعد هناك وقع لتلك الأبيات والآيات، إذن ما هي الأسباب التي ساهمت في غياب دور التربية والهيبة عند المعلمين والمعلمات؟
استخفاف واستهتار
الحرية الشخصية أصبحت لفظة سائدة بين معظم الطلاب، هكذا بدأ محمد الفاتح يوسف طالب حديثه. ولفت إلى أن الغالبية يرون أن دور المعلم ينحصر في إطار المدرسة، ولا يتعدى إلى سواه. وقال: التربية تبدأ من البيت ومنذ نعومة الأظافر قبل الولوج إلى مرحلة الدراسة. وتابع: إذا نشأ الابن على كيفية احترام الأكبر سناً غض النظر عن المعلم، لا أعتقد سوف يكون هناك تطاول على من يجتهد في تنوير البصيرة بالعلم والمعرفة، في ذات الوقت رجع، وقال: بعض الأساتذة لا يجيدون كيفية التعامل مع الطالب خاصة المعلمين الجدد، لذلك يتعرضون للاستخفاف والاستهتار في الوقت الذي يجد فيه الأكثر خبرة احتراماً وتقديراً، وذلك لإجادتهم كيفية التصرف مع من لا يحسن السلوك.
مكسب مادي
حملت الأستاذة ابتسام علي الحسن المدير التنفيذي لمدرسة سنابل الشروق الخاصة، المعلم الدور الأكبر في التنازل عن هيبته والتقليل من احترامه. وقالت: من أجل المكسب المادي تخلى البعض عن الجدية والمبادئ التي يظن أن التمسك بهما يفقد من الإقبال وتزايد الطلب على الدروس الخصوصية. وتابعت: رغم انتمائي للقطاع الخاص أعترف بالمضار التربوية التي تسبب فيها التعليم الخاص من غياب دور المعلم المربي، وأردفت: لكن ذلك يتوقف على المدرسة والبيئة المدرسية، فضلاً عن الشروط والضوابط التي تضعها كل مدرسة. ولفتت إلى أهمية تعاون أسر الطلاب والمدرسة الذي يلعب دوراً كبيراً في تبادل الاحترام وبإمكانه المحفاظة على الهيبة.
تعين عشوائي
ثلاثون عاماً أفناها الأستاذ إسماعيل صالح خدمة لمهنة التعليم، الذي أبدى أسفه على ضياع هيبة المربي الأول، الذي أصبح ينظر إلى مهنته من بعض الجهلاء حد وصفه أنها سد فراغ ليس إلا. وقال: المعلم يمثل الأساس لكل المهن التي يتفاخر بها. وأشار إلى أن التعين العشوائي ودخول بعض المعلمين من الشباك (أي أنهم أصحاب تخصصات لاعلاقة لها بالتربية)، أفقد المهنة مبدأ التربية التي تعد ركيزة التعليم، فضلاً عن عدم التأهيل الذي يكسب الأستاذ كيفية التعامل بطريقة تربوية تعتمد على التوجيه، ثم التحبيب في شخصيتك لجذب الطلاب للمادة التي تقدمها مما يبقى للمعلومة أثراً.
توصيل معلومة
عقدت الأستاذة ماجدة المقارنة بين التعليم في السابق والآن مع توضيح الفوارق بين المعلمين، مشيرة إلى أن المعلمين الأوائل يجعلون التربية وتقويم السلوك من أولى اهتماماتهم، مشيرة إلى التجاوب الكبير الذي كان سائداً بين أسرة المدرسة والطلاب، فضلاً عن تقبل الأسر لكل القرارات والتصرفات التي يبديها الأساتذة بما فيها العقاب. وترى أن المعلم في الآونة الأخيرة أصبح أداة لتوصيل المعلومة، ولا مكان للتربية في قاموسه، مما قلل من هيبته واحترامه، فضلاً عن القرار الذي أصدرته الوزارة بمنع الضرب أعطى التلاميذ دفعة في التطاول على أساتذتهم بمساندة الأسر التي لا تعي الجهود التي يبذلها الأساتذة، من أجل التقويم والتربية. وأبدت أسفها على الخلافات والمناقشات التي تبتدرها الأسر مع المعلمين أمام الطالب، كل ذلك قلل من الحواجز والموانع التي من المفترض أن تسود بين المربي وتلميذه.
تأهيل تربوي
فيما قال الأستاذ مصطفى عابدين الخبير التربوي إن المدرسة ليست بكتاب وطبشورة كما يعتقدها البعض من المعلمين في وقتنا الحاضر، بل تربية في المقام الأول ثم تعليم. وأشار إلى أن عدم التأهيل والتدريب من أهم العوامل التي أفقدت هيبة المعلم، فضلاً عن نوعية المدارس وتكوينها بجانب البيئة التي تساعد على الانضباط والمتابعة التي تفتقدها عدد من المدارس، مما يساهم في عملية التسرب والتمرد على المعلم، فضلاً عن التخلي عن الدراسة والاتجاه إلى أساليب وسلوكيات قد تتم خارج إطار أسوار المدرسة. ولفت إلى الأثر الكبير الذي أحدثته الدروس الخصوصية في المنازل من منع للحواجز نتيجة التعامل غير الجاد، الذي ينتقل مباشرة إلى المدرسة، وتابع: الحل الوحيد لإرجاع هيبة المعلم بالتأهيل التربوي الذي يبصر الأستاذ عن كيفية التعامل مع الطلاب وخلق علاقة مبنية على الاحترام المتبادل.
صوت الأئمة
في السياق، أشارت الأستاذة هدى إلى أن المجتمع أصبح ينظر إلى المعلم كجابي ضرائب، في الوقت الذي لا يدرون فيه أن تلك المبالغ فرضيات تأتي من السلطات العليا وليس لنا يد في ذلك. وتابعت: أما الهيبة أمام الطلاب تعتمد على الفروق الفردية لدى المعلمين، هناك من يستطيع فرض هيبته عن طريق التعامل دون اللجوء إلى الضرب، الذي منع بصدور قانون حماية الطفل، مما زاد من التبجح على المعلم، واضعين ذاك القانون مصدراً للحماية، غير أن ذلك لا ينفي إساءة البعض لاستخدام الصوت. وقالت: عن نفسي لا أحبذ ذلك الأسلوب الذي يؤدي في الغالب إلى التنفير، رغم أن بعض التلاميذ لا يخضعون للأوامر إلا عن طريقه. ولفتت إلى مساهمة الأسر في غياب دور المعلم المربي من خلال مشاركتهم في كثير من الأخطاء والممارسات.
طغيان المادة
وأشار د. حسين عبد الرحمن أستاذ علم الاجتماع إلى مساهمة المعلم في كثير من المتغيرات الثقافية والاجتماعية في العالم أجمع ليس السودان فحسب، والتي أثرت في التغير المجتمعي. وقال: من عمدوا على اكتشاف العولمة ووسائل التوصل درسوا على يد هؤلاء الأساتذه الذين يشير البعض على تراجع أدوارهم في الآونة الأخيرة، وأضاف: من يرون ذلك فإنهم يعقدون المقارنة بين وضع معلم اليوم والأمس.
اليوم التالي