يقول البروفسور محمود حمدي زقزوق في مقال له بمجلة حراء العدد “3” في أبريل 2006، إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود، إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كلِّ جانب لوجهة نظر الجانب الآخر، وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترامُ الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به، وليس الهدف من الحوار مجرد فكّ الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفُه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس”… ونبدأ من حيث انتهى العالم الجليل وهو قيمة التسامح، وهي رسالتنا إلى جميع فرقاء الساحة السياسية في السودان، خاصة وأنهم يستعدون هذه الأيام لترتيب البيت السوداني ليكون مهيئاً للحوار الوطني الذي تنعقد عليه كل آمال السودانيين، الحوار الذي يُرسخ لقيم التسامح، وذلك بردم هوة الخصومة السياسية المصابة بداء “الهدَّام”.. نقول ذلك لأنها الفرصة الأخيرة أمام أقطاب المسرح السياسي السوداني، فإذا اُضيعت فإن اللعنة لن تستثني حكومةً أو معارضةً.. أعلم يقيناً أن بعض أسباب الفجور في الخصومة بين الأطراف المصطرعة، هي تلك المرارات السياسية، التي غذت الاحتقان بشرايين وأوردة من سُموم، وولدت الرغبة الجامحة في الانتقام، وهذه هي جرثومة الفشل لأي حوار سياسي مهما كانت الرغبة في إنجاحه، وإذا لم يتعافَ كل الفرقاء من هذه الجرثومة الفتاكة، فإن الأمر لن يتعدى التسويات السياسية والصفقات الثنائية، واقتسام “الكيكة” بـ”من حضر”، ولا شك أن نتيجة ذلك هو بداية دورة جديدة من العنف والاحتقان السياسي، وتمزيق الوطن بأنياب الصراع السياسي، والاحتراب وحينها لن نعفي أحداً من مسؤولية الدمار القادم.. لذلك لا بد من الدخول للحوار بصدق النوايا وإخلاص العمل وتطهير النفوس من المرارات والرغبة في الانتقام، وبعيداً عن التاكتيكات السياسية، والمراوغة والتخدير، هذه المحطات السوداء إذا لم تتجاوزها أطراف الحوار فلنستعد لحصاد الهشيم، وثمار الزقوم..
جاء في الأثر أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه، كان يقاتل أحد فرسان الجاهلية في معركة حامية الوطيس، فلما اشتدت المبارزة أسقط علي سيف الكافر، فوضع السيف على رقبته ليقتله، فبصق الكافر على “علي” فرفع السيف عنه، ثم تركه وذهب، فتعجب الحاضرون فسألوا علياً، لم تركته وقد مكنك الله منه؟! فقال: كنت أقاتله في سبيل الله، وأريد قتله لأجل الله.. فلما بصق عليَّ خشيتُ أن يكون قتلي له، انتقاماً لنفسي، فتركته لله تعالى.. هذه الروح “العليَّة” نرجو أن تكون حاضرة داخل قاعة الحوار، وإن كان لدينا ثمة نُصح لفرقاء المسرح السياسي، أن أخلصوا النية لله، وتذكروا معاناة شعبٍ تطاول ليلها بسبب النزاعات والحرب، والفجور في الخصومة السياسية، والاصطراع على الثروة والمال والكراسي.. فالمطلوب الآن إعلاء قيمة التسامح والتسامي فوق الصغائر، على المستوى السياسي، وليس على مستوى حقوق الأفراد والقضايا الجنائية فتلك أمور يُنظمها القانون وهو الأقدر عليها عندما ينصلح الحال العام.. اللّهم هذا قسمي فيما أملك..